18 سبتمبر 2025
تسجيلمؤشرات عديدة تؤكد أن المجتمع التونسي بدأ يعترف بمعضلة مسكوت عنها منذ الاستقلال وهي مخاطر التفكك الأسري بعد أن كنت من بين القلائل الذين أشاروا منذ أمد بعيد إلى ضرورة تعديل القوانين المنظمة للأحوال الشخصية و كنت أواجه بتهمة الدعوة لتعدد الزوجات و يعلم الله أني لم أفكر في هذه الدعوة بل كان و ما يزال همي متمحورا حول المآسي الاجتماعية الناتجة عما أسميه التفكك الأسري و تقليص سلطة الأب كرئيس للعائلة و استحالة الطلاق و ما ينجم عن هذه الأخطاء من تشتت الأطفال و ضياع الحقوق و تكون المرأة دائما هي الضحية بينما كانت غاية قانون مجلة الأحوال الشخصية حمايتها و صيانة حقوقها. بدأ المجتمع يستفيق من غفوة طويلة فسمعنا رئيس محكمة التعقيب في افتتاح السنة القضائية يؤكد أمام رئيس الجمهورية أن المحاكم أصبحت عاجزة عن متابعة القضايا لقلة القضاة و كثرة الملفات المطروحة عليها و نحن ندرك بالإحصائيات أن أكبر عدد ضخم من القضايا هي قضايا الطلاق و النفقة و أن معدل استمرار هذه القضايا أمام المحاكم هو ثلاث سنوات حتى لو كانت إنشاءً بطلب أحد الزوجين. سعدت ببرنامج تلفزيوني على قناة (نسمة) هذه الأيام تناول المعضلة بجدية و علم ووعي تكلم فيه كل من الأستاذ منذر ثابت و الأستاذة سنية زكراوي و الأستاذ زهير عزعوزي وهم من أهل العلم و قادة الرأي بعيدا عن التحزب في تحليل ظاهرة التفكك الأسري في تونس مبتعدين عن أدلجة الموضوع كما يفعل اليساريون أدعياء الحداثة و قلة من المتفسخات ،وخلاصة أقوال المشاركين في البرنامج المتميز هي أن أمراض المجتمع التونسي عام 2017 لا يمكن أبدا علاجها بوصفات قانون 1956 و أن المجلة الجزائية المعمول بها اليوم سنة 2017 هي التي صدرت عام 1913 فقد تغيرت المفاهيم تماما و انقلبت عديد القيم مثل مفهوم ( الاعتداء على الأخلاق الحميدة !) أو (الإخلال بالأمن العام) أو ( التجاهر بما ينافي الحياء) فكل هذه المفاهيم المطاطة وضعها المشرع في عهد الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسية و كان الغرض منها حفظ المصالح الاستعمارية تحت غطاء الحفاظ على الأخلاق و الأمن! ثم إننا اليوم كما قال المتحدثون في البرنامج أمام ظواهر جديدة و خطيرة منها ميلاد 1500 طفل سنويا خارج إطار الزواج بل و إلقاء بعضهم بصفة أسبوعية في القمامة أو أرصفة الشوارع ! و تسرب 100 ألف تلميذ سنويا من المؤسسات التعليمية و تفشي ظاهرة انتحار الأطفال (5 في عام 2017) و تفاقم هجرة التوانسة غير الشرعية إلى أوروبا حيث أصبحت ظاهرة عائلية لا فردية و انتشل المنقذون مئات الجثث في البحر كما أنقذوا المئات من الغرق و إلى اليوم يبحث الناس عن أولادهم المفقودين ثم أضف إلى هذه المعضلات حقيقة غريبة وهي أن تونس مصنفة الأولى في عدد شبابها المنخرط في التنظيمات الإرهابية بينما عمل بورقيبة و بعده بن علي على علمنة البلاد و ملاحقة الإسلام التقليدي ؟ و تقول الإحصائيات الرسمية أن نصف مليون تونسي يتعاطون المخدرات و 40 ألفا يستهلكون الكوكايين ! فكيف وقع هذا لتونس ؟ قال الأستاذ منذر ثابت وهو السياسي الأكاديمي بأن بلادنا تعاني من عدم مراجعة القوانين بسبب تغول تيار فرنكوفوني أصبح متمسكا بشعار المساواة الشكلية بين الجنسين في صورة دغمائية جديدة لا تريد البحث الموضوعي عن حلول للمشاكل الحقيقية المطروحة بل تريد مواصلة الغطاء الأيديولوجي لهذه المشاكل مما أدى بنا إلى حالة تأزم و انفصام نتيجتها تحول العلاقات الزوجية إلى ما يشبه الزواج الكاثوليكي المؤبد (و الذي ألغته إيطاليا منذ ثلث قرن) ثم أصدرت محكمة تونسية هذه الأيام حكما بإلزام الزوجة بدفع النفقة وهو حكم عادل نطق به أحد قضاتنا الأفاضل ما دامت المرأة تطالب بالمواساة الكاملة فلتدفع النفقة إذن مثل الرجل تماما (اللهم لا شماتة كما قال أحد المغردين!) لماذا لا نزال ندفن رؤوسنا في رمال التغريب و نجتث جذورنا الحضارية حتى يمنحنا المستعمرون القدامى شهادة (حداثة) ؟ فالحداثة الأصيلة هي أفضل من الحداثة الدخيلة و لم تتقدم شعوب الأرض إلا بالحداثة الأصيلة أي استعمال لغتها الأم و اعتماد موروثها الثقافي و القانوني و التربوي و بهذا قفزت كل من تركيا و كوريا الجنوبية و ماليزيا و ستغافورة (على فكرة فرئيسة الوزراء السنغافورية هي السيدة حليمة يعقوب مسلمة محجبة ملتزمة و أصيلة ) قفزت هذه الدول إلى صفوف الدول المتقدمة في ظرف عقدين بينما بقينا نحن مثل عباد الشمس نتخذ من أوروبا مثلا أعلى و نلثغ بلغتها حتى في مستوى وزرائنا و نخبنا و نستورد قوانينها و نلبس لبوسها و يقف مواطنونا بالآلاف في طوابير مخزية للحصول على تأشيراتها بينما يدخل الأوروبي ببطاقة هوية حتى منتهية الصلاحية. لنبدأ بإصلاح هذه الإختلالات يرحمكم الله لحفظ كرامة التونسي و إنقاذ الأسرة التونسية من التفكك و الانغيار (أي الذوبان في الغير) !