29 أكتوبر 2025
تسجيلبعد طول تردد و تمنع وعدم رغبة في تجديد الوجود العسكري الأمريكي في العراق ، رحبت الحكومة العراقية بإرسال آلاف المستشارين العسكريين الأمريكيين الذين ستكون مهمتهم التدريب و إعداد الموقف الميداني ودراسة الموقف العسكري و إعداد الساحة لتطورات عسكرية قادمة ، فالحكومة تعلم علم اليقين بأن الجيش العراقي يعاني من حالة إنهيار شبه شامل لايمكنه معها القيام بأي إنجازات ميدانية على المدى المنظور وقوات الحشد الشعبي ( الكفائي ) التي هي أصلا ميليشيات طائفية بقيادات حرسية إيرانية لايمكنها وحدها حسم الموقف ولا تأمين المواقع و لا السيطرة بمعناها الحقيقي ، بل أن الخسائر البشرية الكبيرة التي تعرضت لها قوات الحشد باتت تطرح إشكاليات حقيقية حول تذمر شعبي لايطاق قد يتطور لأبعاد صراع ثأري داخلي لايمكن السيطرة على تداعياته ! ، لقد فشل العراقيون بعد الإنسحاب الأميركي في بناء الدولة العراقية بسبب إنفراد رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي بالقرارات الستراتيجية الكبرى والتي كانت في مجملها قرارات غير صائبة بعد أن دب الفساد للمؤسسة العسكرية من خلال الإعتماد على هيئة أركان وقيادات فاشلة لا تمتلك الحدود الدنيا من الكفاءة وهو ما جعل الكارثة متوقعة ، فسياسات المالكي كانت كارثية في تكريس الفشل العراقي ، فالرجل لايمتلك أي كفاءة إدارية أو عسكرية سوى الروح الثأرية الطائفية الرثة و الإنتقامية وقد إستحوذ على كل مؤسسات الدولة الأمنية و العسكرية وأدارها من خلال رجال مكتبه العديمي الكفاءة أصلا ، مما كان له الدور الكبير في تعزيز و تكريس الكارثة وسقوط الدولة العراقية السريع ودخول البلد في خط وخيار الحرب الأهلية ، وحكومة حيدر العبادي التي ورثت أطنان المشاكل المتراكمة منذ ثمانية أعوام عجاف تحاول اليوم إصلاح مايمكن إصلاحه من خلال التفاعل الصريح مع الإدارة الأميركية و تفعيل الإتفاقيات المشتركة وهو الأمر الذي يتحفظ عليه أهل التيار الإيراني المتواجدين بقوة في مسارب السلطة خصوصا بين صفوف الميليشيات التي تشكل جوهر الحشد الشعبي ( الطائفي ) بما فيها من جماعتي العصائب أو فيلق بدر و إرتباطاتهما المباشرة المعروفة بدوائر الحرس الثوري الإيراني وحيث لعب السردار الإيراني قاسم سليماني مؤخرا دورا علنيا وجوهريا في العمليات العسكرية في حزام بغداد ، ولكن يبدو أن ثمة تفاهمات إيرانية/ أميركية على الأرض العراقية قد حولت التحفظ والعداء لواقع تعامل ميداني جديد من خلال اللجوء الأميركي المكثف لسلاح الجو في قصف الأهداف فيما يتحرك الإيرانيون على الأرض في عملية تخادم باتت مكشوفة للجميع ! ، وبرغم جميع التحفظات العراقية الرسمية أو المستترة فإن موازين العمليات العسكرية لايمكن أن تستقيم أو تحقق نتائجها المرجوة إلا عبر وجود عسكري أمريكي مباشر فوق الأرض العراقية من خلال آلاف المستشارين وحتى فرق القوات الخاصة التي تضطر أحيانا لخوض المعارك و الإلتحام المباشر مع إحتمالات إيقاع خسائر في صفوف القوات الأمريكية وهو مايعني بأن عودة الأمريكان لبلاد الرافدين باتت أكثر من ضرورة وهو ما يطرح ألف علامة إستفهام حول مستقبل السلم الأهلي في العراق ، لأن العمليات العسكرية تدور في الوسط السني مما دى لإرتفاع كلفة الخسائر البشرية بين المدنيين العراقيين في مدن غرب العراق ، الشيء المؤكد من كل ما يجري هو أن العودة الأميركية للعراق لن تكون بروتوكولية أو وفق مهام تدريبية فقط ، بل أنها ستكون عودة قوية تدريجيا وستتزايد أعداد الجنود الأميركيين في العراق في ضوء الترتيبات القادمة حول حسم الملف النووي الإيراني و تقدم الحزب الجمهوري في إنتخابات مجلسي الكونغرس ومن ثم العودة الجمهورية للبيت الأبيض في الإنتخابات الرئاسية القادمة ، الجماعات المسلحة المتطرفة هي البوابة التي يعود الأمريكان من خلالها لبلاد الرافدين من جديد ولكن وفق قواعد عمل و تمركز عسكرية صارمة للغاية ستغير من شكل وطبيعة الصراع الدائر في العراق ، والضربات الجوية المكثفة لسلاح الجو الأمريكي تعني أساسا بأن حجم الوجود الأمريكي القادم سيكون أقوى مما كان متوقعا ، لكون الأجندات الأمريكية الواجبة التنفيذ قد قطعت أشواطا بعيدة تجعل من العودة الأميركية محفوفة بمخاطر وتحديات عديدة ، ولكن لابد من بغداد و إن طال السفر! بقاء العراق موحدا يتطلب وجود أمريكي مكثف ! ولكن هل تنطبق حسابات الحقل الأمريكي على البيدر العراقي ؟ كل الإحتمالات ممكنة و متاحة! مع بقاء بوابة المفاجآت مفتوحة على مصراعيها.!