11 سبتمبر 2025
تسجيلبالأمس هدد وزراء الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي قناة الجزيرة بمقاطعة إعلامية وإعلانية ومهنية، ناقلين المواجهة مع هذا الرمز لحرية التعبير إلى مستوى رسمي بعدما كان قاصراً على الاقلام المأجورة في بعض الصحف والمجلات، ومطالبين عمليا بعودة الإعلام العربي الذي تشكل الجزيرة أحد أعمدته الطليعية عشرات السنين الى الوراء عندما كان هذا الاعلام يحيا ويتنفس ويكتب بأمر من "السلطان" وحده أو حامل سيفه ومفاتيح خزنته. ولو ذكر اسم وزارة الاعلام في أي بلد لتبادرت الى الذهن على الفور تعابير رديفة مثل "حرية" و"رأي" و"نقاش" و"حوار" و"ديمقراطية" و"تطوير" و"عقلانية" و"منطق" و"حقيقة" و"إصلاح" وسواها من بديهيات عالم اليوم ومفاهيمه. لكن يبدو أن السادة الذين استلوا سيوفهم لقطع رأس "الجزيرة" العزلاء إلا من حريتها، لا يعترفون بهذه الكلمات والتعابير بل يرون فيها عدواً لابد من اسكاته واخماد صوته وتطويق اثره ومنعه من الانتشار لكيلا يهدد فقاعات الصابون الجوفاء بإبر حريته النفاذة. لكن ما يطالبون به عهد بائد تجاوزته قطر منذ ان ألغت وزارة الاعلام ورُفِعَت الرقابة عن الصحف. عهد أرساه أمير الحرية سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي جعل للرأي الآخر كلمة تصدع بحقها في التعبير. واستطيع أن أجزم أن الجزيرة ليست هي المقصودة بل قطر بذاتها التي أرست مفهوما جديدا في العمل السياسي والاعلامي لا يتفق مع "السائد" ولا مع تعليمات "الاخ الاكبر" ويفتح الباب امام عدوى الحريات وكشف الحقائق ومخاطبة العقول واحترام ذكاء الشعوب وتجاربها، غير آبهة بالسليط من الكلام والسفيه من الحجج يسوقه ضدها مرتزقة الكلمة وحاملو اوسمة الردح والدولار وعقلية القطيع. وقد دأب هؤلاء على جعل مسألة الوجود الامريكي في قطر قضيتهم الكبرى، علما ان هذا الوجود جاء بناء على طلب اكثر من دولة من الاشقاء في مجلس التعاون وان قطر هي آخر دولة وافقت على استضافة القوات الامريكية على اراضيها قبل سنة تقريبا وفي قاعدة واحدة، بينما ينتشر العسكريون الأمريكيون في سائر الدول الخليجية منذ اكثر من اثنتي عشرة سنة ويصل حجم انتشارهم في احداها الى سبع قواعد. وقبل ايام فقط، خطت قطر خطوة جديدة جريئة على الطريق المتميز الذي رسمته في التعامل بصدق وصراحة مع شعبها اولا ومع باقي العالم، وسمحت لوسائل الاعلام المحلية والدولية بدخول قاعدة العديد وتصوير منشآتها ومقابلة العسكريين الامريكيين وطرح الاسئلة عليهم واحصاء ما في القاعدة من طائرات ومعدات، وكل ذلك بثقة تامة بالنفس وقدرة على تخطي المألوف ومماشاة العصر والتعامل مع الحقيقة وحدها. والسؤال الذي نوجهه الى الاقلام المأجورة التي جعلت من قاعدة العديد مادة للغمز من قناة قطر، هل ستجرؤ الدول الاخرى التي يعملون لحسابها على فتح قواعدها امام الصحافة العالمية لمعرفة حجم القوات والمعدات؟ وهل سنرى اقلامكم تكتب عن حجم القوات الامريكية المتمركزة فيها؟ نحن نعلم تماما ان القضية ليست في الوجود الامريكي في قطر ولكن في النهج الجديد للسياسة القطرية الذي أرسى دعائم الحرية والديمقراطية واطلق العنان لمسيرة البناء والتنمية، وهي سياسة تأبى ان تكون تابعة او طوعا لارادة الاخرين، سياسة جعلت لقطر كلمة مسموعة رغم محاولات البعض وأدها، همها الاول والاخير النهوض بالانسان القطري علميا وصحيا واجتماعيا واحترام ذاته ورأيه وحريته وخياراته ليكون الاساس الذي يرتقي به الوطن. انها سياسة لا تروق للبعض لأنه يرغب في ان تظل الدوحة مجرد عربة تجرها قاطرة تقاد على خط ثبت منذ زمن انه لا يؤدي الى اي مكان. اما الذين يسلطون اقلامهم بغير حق ولا خجل للنيل من مسيرتنا فلا نقول لهم سوى اننا مقتنعون بما نفعل وفخورون به، وانهم هم انفسهم موضع شبهة.