13 سبتمبر 2025
تسجيللا شك أن الواقع العربي يعيش وضعًا متوترًا، أملته ظروف سياسية كثيرة واقتصادية وفكرية، وأسباب متعددة أخرى بفضل تراكمات لم تعالج المعالجة الكافية والعقلانية، حيث جعلت النظام العربي متراجعًا عما يفترض أن يكون عليهم القوة والمنعة، والقيام بالدور المفترض الذي ينبغي أن يقوم به من الوحدة والترابط والوحدة، وجاءت أحداث الربيع العربي لتفجر الكثير من التراكمات السابقة، وزاد معها التوتر والخلاف، في ظل التحولات التي جعلت السياسات العربية منقسمة على نفسها، تجاه تلك الأحداث التي جرت آنذاك، وما آلت إليه من تغييرات وصراعات لا يزال بعضها حاضرًا حتى الآن، حيث تزال بعض البلاد العربية تعيشها وبصورة مأساوية، فالبعض من المحللين يرون، أن أسباب الانقسام والصراع العربي في ظل النظام العربي، وحتى قبل أحداث الربيع العربي، هو من ضمن المؤامرات الخارجية، لإضعاف وزيادة الانقسام في العالم العربي وتفكيكه مستقبلًا إن استطاعت في ذلك، وهذا الانقسام أسهمت فيه دول كبيرة، بهدف الهيمنة وإبقاء الوضع العربي رهينة التوجهات الإستراتيجية الأجنبية، وهذه الإستراتيجية، تضع فيها مصلحة إسرائيل في المقام الأول، ويدلل هؤلاء أن روسيا وأمريكا يستطيعا أن يفرضوا الحل على النظام والمعارضة في سوريا وفي ليبيا، وتنتهي هذا الصراعات، لكن هناك حسابات وأهدافا، جعلت هذا الصراع مستمرا وربما سيطول، وهذا بلا شك في مصلحة إسرائيل في إضعاف هذا البلد أو ذاك، ومنها القطر العربي السوري، الذي يعد من الدول المهمة على حدود إسرائيل، فإذا بقي ضعيفًا ومدمرًا، فان النظام الذي سيحكم، سينتظر عقودا طويلة حتى يبني نفسه من جديد، لكن بعض الباحثين يرون أن بعض الأنظمة العربية في هذه الدول، أسهمت في هذا الانقسام وهذا الصراع، الذي سبب الخلافات والانقسامات في النظام العربي، وجعل الخلاف، هو السمة البارزة في القمم العربية الماضية الاعتيادية، بل إن بعض هذه الأنظمة، هي التي جعلت الاحتقان والتوتر الداخلي، يتحول إلى بركان دموي في بعض الدول للأسف ولا يزال الصراع فيه قائما ومدمرًا، وأنها لم تسع لتخفيف الاحتقان السياسي والمجتمعي، واتخاذ قرارات شجاعة لإيقاف هذا الاحتقان، خاصة في سوريا وليبيا، لوأد التوترات التي حصلت في ذلك الوقت، وما أدى إليه من انقسامات بسبب هذه الأوضاع التي تحتاج إلى قرارات شجاعة لإحلال السلام، والقبول بحلول وسط والتنازل عن القرارات، من أجل هدف أسمى، وهو الحفاظ على الوطن والمواطن من التدمير والدماء والصراعات الداخلية، وهذا الصراع بدأ ينحني ربما إلى الطائفية، أو إلى التقسيم. ولذلك أصبح دور النظام العربي ضعيفًا، بل مشلولًا في لعب الدور المتوقع منه، وهو إنهاء الخلافات القائمة، بسبب الاصطفاف السياسي الذي جعل النظام العربي هامشيًا في دوره، والجامعة العربية، تمثل إرادات الدول وإجماعها، ومادام الإجماع معطلًا بسبب الانقسامات الراهنة، فإن الدور العربي المؤثر في الحل للكثير من المشكلات غائبًا، وهذا ما استدعى أن تقوم الدول الكبرى، بمهام ومسؤوليات، عندما تراجع عنها النظام العربي في ذلك، وهذا ما جعل التأزم والتوتر، يتحول إلى انقسامات كبيرة، لا ندري كيف ستنتهي هذه الأوضاع القائمة، وما ستؤول إليه. فانقسام الدول العربية، كما يرى د. عبدالمنعم المشاط، "إلى دول فاشلة ودول على أعتاب الفشل ودول أخرى متماسكة، بالإضافة إلى الضعف الشديد الذي يسم أنشطة جامعة الدول العربية، يثير التساؤل حول مستقبل النظام الإقليمي العربي، وما سوف يؤول إليه، وما إذا كانت هناك ترتيبات إقليمية أخرى تحل محله، وتشير الدراسات الإستراتيجية الحديثة إلى أن القوى الكبرى والتحالف الثلاثي بين إسرائيل وتركيا وإيران تقود إلى إقامة منظمة إقليمية جديدة تخص الشرق الأوسط وتحل محل جامعة الدول العربية وتخلق نظاما إقليميا أوسع مما هو متعارف عليه، ويمكن تصوره كالتالي، منظمة الشرق الأوسط، والتي تترأسها كل من إسرائيل وإيران وتركيا، حيث يتم توثيق التعاون الإستراتيجي بينهم، على أن يتم إعطاء الفرصة للدول العربية، إما أن تنضم إليها على نمط حلف بغداد القديم أو أن تظل عضوا في منظمة إقليمية كسيحة، وهي جامعة الدول العربية أو الخروج نهائيا منها، على أن يتم توجيه هذه المنظمة الجديدة من جانب القوى الدولية الرئيسية خصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتشير هذه الدراسات كذلك إلى أن روسيا والصين لن تعارضا هذا الترتيب الإقليمي الجديد شريطة أن يسمح لهما بنفوذ تجاري وعسكري مع بعض الدول العربية، وعلى رأسها سوريا، ولا شك أن هذا الترتيب الإقليمي الجديد، والذي يقوم على التعاون الإستراتيجي والدعم الخارجي يثير تساؤلات عدة حول إعادة ترتيب وضع الأقليات في الدول العربية من ناحية، ووضع أقاليم الدول المنهارة". وهذا هو الخطر الذي نأمل عدم حصوله، كما يراه بعض الباحثين، ذلك أن استمرار هذه الصراعات والتوترات، داخل بعض هذه الدول التي تضم جماعات دينية وعرقية متعددة، ربما يجر إلى حروب وإلى مستنقع للإرهاب، إذا لم يتم الحل سياسيا لهذه الأزمات الداخلية، أو أن يتم التقسيم الإثني والعرقي والمذهبي، وقد تتحول إلى هذه الجماعات، إلى كانتونات سياسية، خاصة أن بعضها يرغب بذلك، بدعم من جهات عديدة، وهدفها تمزيق هذه الدول لمصالح وأهداف سياسية واستراتيجية، والحقيقة أن النظام العربي الراهن يعد في أصعب حالاته، وهذا ما آلت إليه السياسات للأسف، ومع أن البعض يرجع إلى خطط وسياسات الخارج، إلى ما آلت إليه أوضاعنا، فإن المنطق والعقل أن هذا الطرح عن المؤامرات الخارجية، يعفينا من مراجعة الكثير من السياسات والخطط التي جعلت في هذا الوضع يزداد توترًا وانقسامًا، فإلقاء كل الأوضاع والانكسارات والتوترات إلى المؤامرات، هروب من الواقع وسلبياته، ونكذب على أنفسنا في ذلك، عندما نعلق كل ما حصل من أزمات ومشكلات داخلية على المؤامرات الخارجية، فلو أننا أعدنا النظر في الكثير من السياسات، لما وقع النظام العربي في هذه المشكلات السياسية التي أصبحت معقدة، على كل المستويات، لذلك فإن المراجعة وإعادة النظر في السياسات، لابد منها، حتى نستطيع المحافظة على المؤسسات القائمة، ونبعد عما هو أخطر من ذلك.