11 سبتمبر 2025

تسجيل

نكرهكم فارحلوا

12 سبتمبر 2011

نعم نكرهكم. نكرهكم بعمق. فغادروا بلادنا. اتركونا لم نحبكم من قبل ولن نحبكم من بعد. جئتم إلينا إلى عاصمة المحروسة إلى القاهرة بلا دعوة فرضتم وجودكم غير المرغوب فيه على نيلها. أصررتم على أن تكون سفارتكم في الطوابق العليا من مبنى شاهق يطل على النهر الخالد مرفوعا عليه الراية التي نمقتها والمدجنة بنجمة داوود القميئة ترفرف في فضائنا الطاهر فتدنسه. قبلناكم على مضض. لم نندفع للترحيب بكم. إلا من نفر من أصحاب المصالح الذين أغوتهم دعاية السادات الرجل الذي قدم القرابين لكم منذ أكثر من اثنين وثلاثين عاما، نرفض السفارة وكل رموزها من تطبيع وسلام زائف ولغة حاولتم فرضها علينا. رغم أن أيديكم ملطخة بدمائنا، صدق البعض منا توجهكم لما يسمى بالسلام وخاطبتنا الآلة الإعلامية للسادات ثم مبارك بأن الرخاء قادم معكم لكننا على مدى هذه العقود الثلاثة لم نلمس رخاء. بل داهمتنا الخطوب والمعضلات وتفاقمت مساحات الفقر وانتشرت الأمراض التي ساعدتم في بثها بأرض المحروسة. بفعل سعى البعض منا للحصول على بذوركم وخبراتكم الزراعية التي لم تفض إلا إلى تجريف الأرض وقتل البشر قالوا لنا إن وجودكم هنا على أرض المحروسة سيشكل بوابة للانطلاق لبناء الثقة ففوجئنا بكم أول من يخون هذه الثقة. فتزخر البلاد بعسسكم وبصاصيكم تتنقلون في الأنحاء بحثا عن المستور وتشعلون الفتن فيما بيننا وهو ما أقر به مسؤول سابق لاستخباراتكم التي تعاملت مع المحروسة بحسبانها عدوا وليس صديقا وفق ما نصت عليه الاتفاقيات معكم. لم تشأ قيادتكم سواء من اليمين أو اليسار إلا أن تدفع باتجاه تقزيم المحروسة. وإجهاض انطلاقتها وتحجيم حركتها. وساعدكم في ذلك كنز استراتيجي لكم فيها كان اسمه حسني مبارك. لم يرفض لكم مطلبا ولم يكن يغمض له جفن قبل أن يلبي كل احتياجاتكم. كان يصيبه الحبور العظيم وهو يستقبل قادتكم في القاهرة أو في الإسكندرية أو في شرم الشيخ. كان يسكنه الاكتئاب لو تغيب أحدهم عن زيارته صحيح أنه لم يقم إلا بزيارة وحيدة لعدة ساعات لأرض فلسطين المحتلة للمشاركة في جنازة قاتل وعدواني اسمه إسحاق رابين بحجة أنه كان يسعى إلى السلام بيد أنه كان متوددا لهم لا يفتأ أن يتبنى قناعاتهم وتوجهاتهم وسبلهم ويحج إلى واشنطن سنويا ليتلقى بركات العم سام مادام راضيا عن سلوكه معكم. كانت سفارتكم في عاصمة المحروسة دوما أشبه بالحية التي نتعايش معها. رغم أنها تبدو في حالة استعداد دائم للانقضاض على من حولها. كنت كلما أمر من أمامها وهو ما يحدث يوميا في طريقي من وإلى منزلي بمنطقة الجيزة. أشعر بالوجع وكثيرا ما وجهت لعناتي إلى المبنى والمعنى والعلم. لكني كنت كغيري من شعب المحروسة محترما لتعهدات وقعنا عليها ويحثنا ديننا على الوفاء بها رغم أنكم – أي قطعان بني صهيون_ لم تحترموا يوما تعهدا أو تلتزموا باتفاقية وهو ما تجلى في الإقدام على قتل الكثير من جندنا المرابضين على الحدود مع فلسطين، وكان مبارك ورجال عهده غير المأسوف عليه يطالبوننا بضبط النفس. وهو ما كان يشعرنا بالخزي والعار خاصة أن نفرا من وزرائه لم يكن صوتهم يعلوا مع أي حادثة تقتلون فيها واحدا من جنودنا أو من أبناء شعبنا بينما يرفع عقيرته محذرا ومنذرا بأغلظ الأيمان. وأحيانا بلغة غير مهذبة عندما وقعت حادثة من جند حماس رغم رفضنا لها. في سيناء حرصتم على أن تكون لكم اليد الطولى في مناطقها خاصة القريبة من فلسطين. حددتم الأفراد ونوعية التسليح ووضعتم الخطوط الحمراء فأضحت حركتنا على الحدود ضيقة وهو ما أتاح لكم القدرة على قتل أفرادنا دون شعور بأن ثمة رادعا أو من سوف يرد على هجماتكم من قبلنا. وقبل أقل من شهر لم تعيروا أهمية لأي قوانين أو أعراف سارع جندكم من قطعان بني صهيون باختراق حدودنا ولم يعبأوا بأي رد فعل. فقتلوا ضابطا وأربعة من جنودنا بدم بارد تحت حجة مطاردة المسلحين من الفلسطينيين الذين هاجموكم في عملية نوعية بمدينتا العربية المصرية - أم الرشراش – التي أطلقتم عليها زيفا وبهتانا – إيلات. لم يكن بوسع شعب المحروسة أن يصمت. بل لم يكن بمقدور حكامها الجدد تجاهل ما جرى مثلما كان يفعل كنزكم الاستراتيجي وزبانيته خلال الثلاثين عاما. فانتاب الجميع الغضب والاحتقان من فعلكم العدواني المدبر والمخطط والمقصود رغم تصريحاتكم البلهاء التي ذكرتم فيها أنه عمل غير مقصود. ومن الطريف أن أحد زبانية الحرب لديكم واسمه على ما أتذكر - إيهود باراك – سارع بالإعلان عن الأسف. غير أنه رفض على وجه الإطلاق تقديم اعتذار رسمي مكتوب لحكومتنا التي هلل نفر منها وبعض وسائط إعلامها لأسفه المجرد من كل معنى وقيمة. فتحرك شعبنا معلنا اعتصامه في محيط السفارة ونهض شباب الوطن حاملين كل عشق له وكل كراهية لكم إلى المبنى الذي تعلوه رايتكم المدجنة بنجمة داوود المقيتة فاعتلى شاب نهاية المبنى وأنزل الراية. ووضع في مكانها راية المحروسة ولأول مرة تهب النسمات لتحركها فتخفق في الفضاء وتشرق في ليل القاهرة ويرقص النيل طربا. وكأنما ثمة من يريد أن ينغص علينا بهجتنا. فسارع نفر من حكومتنا التي مازال بعضهم يدين بالولاء لمبارك وعصره إلى بناء ما أطلق عليه بالجدار العازل. لتأمين مقر السفارة الممجوجة وجاءت الحافلات الضخمة بليل محملة بقطع الجدار الست والثلاثين وأنهوا تركيبها في غضون ليلتين فسارع شبابنا إلى صبغها بألوان راية الوطن وكتبوا عليها العبارات المنددة بقطعان بني صهيون لكنه ظل - أي الجدار - عنوانا على استفزاز متعمد لنا. فجاءت ليلة الجمعة الفائتة وسارع شبان إلى هدم الجدار. وبدا لهم الأمر وكأنهم يحطمون مبنى السفارة المكروهة ذاتها بل إن أحدهم انتابه شعور بأن يحطم الجدار الذي صنعه القطعان بين الضفة الغربية وفلسطين. انتابت الجميع نشوة غريبة فحملوا المطارق والتي لا أدري كيف توافرت لهم في سرعة مدهشة وانطلقوا يحطمون قطع الجدار ولم تمض سوى ساعات قصيرة حتى أتوا عليها دون أثر وجاء الغسق. فتهادت بهجة تحطيم الجدار في النفوس المتوهجة والتي سارع بعضها إلى تقرير اقتحام المبنى والمعنى والرمز والعلم. وبعد فترة وجيزة كانوا في الطوابق العليا من المبنى الشهير فدخلوها وحطموا الأسطورة. وأنزلوا الراية المدجنة بالنجمة وارتفع علم الوطن وسقطت الأوراق السرية من علو شاهق تلقفتها النفوس المسكونة بالأشواق في رحيل السفارة لأنها تكرهكم ومازالت. صحيح أنه من المنظور القانوني. ثمة أخطاء في الفعل بحكم ارتباطاتنا التعاهدية لكنه هو بالأساس رد فعل على العدوان المتكرر والصلف المتواصل. واللافت أن أوباما الرئيس المعجزة على وزن الطفل المعجزة سارع بمطالبة السلطات المصرية إلى توفير الحماية للسفارة بينما لم نرصده يركض بمثل هذه السرعة مطالبا قطعان بني صهيون لوقف عدوانهم على جند مصر وقتلهم لجنودها على الحدود وحسنا فعل المدعو سفيركم مستجيبا لطلب حكومته باستدعائه ومغادرته القاهرة فجر أمس الأول. وأتمنى أن يكون ذهابه دونما إياب وأن يستوعب الدرس. فهو ضيف غير مرغوب فيه وزائر ثقيل الظل هو وكل أركان سفارته وكل من يحمل نجمة داوود رمزا وعنوانا وحلما "نكرهكم فارحلوا ". إنها أغنيتنا التي سنرددها في كل موقع بالمحروسة احفظوها جيدا حتى لا تفكروا في العودة إلى نيلنا وشمسنا وفجرنا الذي انبثق في الخامس والعشرين من يناير. السطر الأخير: أيتها المحبوبة الساكنة بضلوعي لن ترحلي من تخومي بل أنت حدودي ووطني والمنفى الذي أحن إليه بهجتي ودموعي لك وحدك عشقي ومقامي ولك من قلبي محبة لا تمحى وسلامي [email protected]