26 أكتوبر 2025
تسجيللو سألت رجل الشارع العادي عن معرفته بأهم الوظائف والمهن التي يشغلها المنتسبون إلى الإعلام، لما خرجت إجابته التقليدية غالبا عن الصحفي والمذيع والمراسل والمصور والمخرج في أفضل الأحوال، لكن معظمهم يجهل الوظيفة الأهم في هذا الحقل وهي: حارس البوابة!. فليس المقصود بحارس البوابة في لغة الإعلام الشخص المسؤول عن فتح بوابة المبنى وإغلاقها، بل هل كل شخص مسؤول في الوسيلة الإعلامية، مطبوعة كانت أو مسموعة أو مرئية، عن «فلترة» الأخبار التي تصل إلى المتلقي واختيارها من بين الكم الهائل من الأخبار التي تصل إلى الوسيلة الإعلامية من المصادر المختلفة، فهو من يسمح بعبور هذه المعلومة ويمنع تلك، ويتحكم بصياغة ومفردات هذا الخبر ليجعل وقعه إيجابيا هنا أو سلبيا هناك! وهي نظرية صاغها عالم النفس الاجتماعي كورت لوين في أربعينيات القرن الماضي. أما الخطط والخطوط العامة لما تنشره الوسيلة الإعلامية فهي تُرسم وفق نظرية الأجندة أو ترتيب الأولويات، وتعني إبراز الأهم من الأخبار -بالنسبة لحارس البوابة- بطريقة أبدى وأكبر من غيرها، ما يؤثر على الرأي العام أو سلوكياته أو معتقداته وفق رغبة وتوجه حارس البوابة، أي أن الوسيلة الإعلامية لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون حيادية وموضوعية بنسبة ١٠٠٪ كما تدعي الكثير منها اليوم، لأن ذلك سيتعارض مع أصحاب المصالح فيها أو مالكيها أو حتى إدارتها، فهم جميعا بالنهاية بشر لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. ولكن هل لازال لحارس البوابة هذه القدرة التأثيرية الكبيرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؟ ما يحدث اليوم على صعيد القضية الفلسطينية -مثلا- يثبت عكس ذلك، حيث عجز الإعلام التقليدي الغربي عن المحافظة على الصورة النمطية لطرفي الصراع المزروعة منذ عشرات السنين في ذهنية المواطن الغربي، حيث الإسرائيلي الطيب المسالم الديمقراطي المحاط بمجموعة من العرب الأوباش المجرمين المعتدين كما يتم تصويرهم دائما، فأظهرت «السوشيال ميديا» زيف هذه الصورة النمطية، ورأينا طلبة الجامعات، الذين يقضون جل أوقاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، يتظاهرون نصرة للقضية الفلسطينية لأول مرة عبر التاريخ، ذلك أن اللقطات المتعلقة بالمجازر الصهيونية تصلهم مباشرة دون وسيط أو حارس بوابة يزيف الحقائق أو يغير من شكلها لصالح الكيان المحتل، فظهر المعدن الإنساني الأصيل في الناس واصطف كثير منهم إلى جانب الحق الفلسطيني. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ لو أن بطولة كأس العالم لكرة القدم الأروع عبر التاريخ، والتي أقيمت في قطر عام ٢٠٢٢م، كانت قد أقيمت قبل ١٦ عاما فقط من هذا التاريخ، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديث، وكيف كان إعلام الغرب التقليدي المقهور من النجاح العربي القطري سيتمكن من تزييف الحقائق ورسم أبشع الصور لأنجح بطولة، وما كان للناس هناك إلا أن يصدقوا كما كانوا يفعلون عادة، لكن حسن الحظ والتوفيق الإلهي جعلنا نشهد البطولة في زمن يستطيع ملايين الحاضرين إليها أن ينقلوا الحقائق بعيدا عن مقص حارس البوابة وأجندته المشبوهة في هذه الحالة!.