15 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); "الفوضى تضرب أطنابها في طول البلاد وعرضها، ولكنك مع ذلك تتغذى بالأكاذيب التي تتلى عليك، البلاد قش ملتهب والناس على شفا الهلاك، ليتك تذوق بعض هذا البؤس بنفسك". هذا ما قاله الحكيم المصري القديم "إيب ور" في برديته التي تسجل أول ثورة في تاريخ مصر، مخاطبا الفرعون "بيبي الثاني" قبل أن يسقط، وتسقط معه الأسرة السادسة، بل تسقط "الدولة القديمة" برمتها، لتدخل مصر ما يعرف بـ"عصر الاضمحلال الأول" الذي استمر قرابة القرنين، ولم تخرج منه إلا على يد الأسرة الحادية عشرة، مؤسسة "الدولة الوسطى". سقط الفرعون، الذي اعتمد على الأكاذيب والقمع: الأكاذيب لإخفاء ضعفه وسوء إدارته، ما أدى إلى زيادة انحلال عرى البلاد وتفكك أوصالها، بينما الكذاب وأعوانه يقرعون الطبول ويروجون الخرافات، والقمع لقهر الشعب، الذي غمره الخوف وأكلته البغضاء، فتمكن منه الأعداء. يقول إيب ور:"لم يعد الناس يحرثون حقولهم، لقد هجم الناس على مخازن الحكومة ونهبوها، واعتدوا على مقابر الملوك.. وأصبح رجال الأمن في مقدمة الناهبين. انظروا إذا، لقد اختفت البسمة، فلا أحد يبتسم، إن الشكوى التي تعم البلاد تختلط بالنحيب". ويقول مؤرخون عن تلك الحقبة إن القحط أصاب البلاد، نتيجة الانخفاض الكبير في منسوب النيل نحو 20 سنة، ومع ذلك واصل الفرعون تحصيل الضرائب بالقدر نفسه، حيث كانت تحصل بناء على المحصول المتوقع من دون مراعاة للنقص الكبير فيما تمت زراعته فعلا. وعندما اندلعت الثورة، خاصة في أطراف الدولة، أرسل الفرعون جيشه لقمعها، ما أضعف الحدود، التي أصبحت ساحة حرب بين "الجيش" و"الشعب" فسهل على الأعداء اختراقها. سقط الفرعون الكذاب الذي ربط البلاد بشخصه مدعيا أن "النيل يجري بفضله والشمس تشرق بعدله" ليكتشف الجميع أن سقوط دولته لم يؤد إلى سقوط الوطن "مصر" بل إن الوطن، على العكس، أصبح في حال أفضل بعد خلاصه من "دولة الظلم". الدرس البليغ ـ والمؤلم ـ أن الرضوخ للظلم لمدة عقدين (20 سنة) أدى إلى الفوضى طوال قرنين (200 سنة)! وتقول قاعدة ثورية: إن الضريبة التي لا تسدد في وقتها، تسدد بعد ذلك بفوائدها الباهظة.