12 سبتمبر 2025

تسجيل

أردوغان الذي يلعب بـ "البيضة والحجر"

12 أغسطس 2016

أثبت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه داهية سياسي من طراز رفيع، وأنه ساحر سياسي محترف يجيد اللعب "بالبيضة والحجر"، فقد استطاع خلال ساعات أن يقلب السحر على الساحر، وأن يحول المحاولة الانقلابية الفاشلة إلى "هدية سماوية"، لو أنفق المليارات لما حصل على مثلها بهذه السهولة، واستطاع أن يثبت للعالم كله أنه اللاعب الأقوى والأكثر حسما على الساحة التركية، وأنه الخيار الأول للشعب التركي بلا منازع. تمكن أردوغان من ضرب كل العصافير بحجر واحد، داخليا: استطاع ترويض المعارضة العلمانية والقومية، ولم يجد قادة المعارضة التركية مناصا من الإقرار بزعامة "الزعيم"، والدفاع عن الديمقراطية والوقوف ضد الانقلاب، وتأييده في خطواته التي يقوم بها ضد الانقلاب، وهو خيار ليس هناك بديل له بالنسبة اليهم. العصفور الثاني الذي ضربه الرئيس أردوغان هو قلع أظافر فتح الله غولان، واجتثاث كل مؤيديه من جميع المؤسسات العسكرية والمدنية، بوتيرة سريعة وقوية وحازمة، فاستبعد من العمل ما يقرب من 70 ألف موظف، مدنيين وعسكريين، واعتقل 26 ألف مشتبه به بالتورط في الانقلاب، لم يكن أردوغان ليفعل ذلك لولا المحاولة الانقلابية الثالثة. العصفور الثالث الذي ضربه أردوغان هو الإطاحة بكل الجنرالات الانقلابيين الذين كانوا يتطلعون إلى السلطة، ووضع المؤسسة العسكرية في مكانها الصحيح، وإعادة هيكلية الجيش لإبعاد كل الطامحين للسلطة، وإجراء عملية "تطهير" كاملة لتنظيف المؤسسة بكاملها من "الفيروسات" الانقلابية كما سماها. العصفور الرابع الذي ضربه الزعيم هو التخلص من كل مؤسسات فتح الله غولان، واقتلاعها بكل قوة، والتخلص من المدارس والجامعات والمستشفيات والصحف ومحطات التلفزة ووسائل الإعلام التي تتبع له. هي حركة قوية جدا لأنها عملية تهدف إلى "تنظيف" تركيا من غولان وفكره ومؤسساته. العصفور الخامس الذي ضربه الرئيس هو اكتشاف كل الثغرات في المؤسسات الأمنية والمخابرات، وبدء العمل بإعادة هيكلتها من جديد، للتخلص من كل هذه الثغرات التي كادت أن تؤدي إلى إفلات المحاولة الانقلابية من الفشل. العصفور السادس والأهم هو ثقة رجال الأعمال والطبقة الاقتصادية التركية بالرئيس أردوغان، فهولاء قاموا، في عز الأزمة، بتحويل ما لديهم من دولارات إلى ليرة تركية لحماية الاقتصاد التركي وحماية العملة التركية من الانهيار. العصفور السابع والأهم هو اكتشاف الثقة التي يتمتع بها الزعيم أردوغان في الأوساط الشعبية، فالمحاولة الانقلابية الفاشلة أدت إلى إجراء استفتاء شعبي عملي لشعبية الرئيس في الشارع، والدليل على ذلك أنه ما أن دعا الشعب إلى النزول إلى الشوارع، حتى نزل الملايين من الأتراك الذين تصدوا لدبابات الانقلابيين وطائراتهم ومدرعاتهم وجنودهم، وألقوا القبض عليهم، وضربوهم في الشوارع لتأكيد سلطة الشعب وأنه فوق الجيش وأن العسكر مجرد خدم للشعب لا أكثر. لقد استطاع أردوغان ترويض الداخل التركي تماما، وجره إلى مربع يجيد اللعب فيه، بدعم من كل المعارضة التركية، باستثناء الأكراد الذي اتهموا بأنه كانوا متعاطفين مع الانقلاب، رغم وقوفهم "المتأخر" ضده. هذا داخليا، أما العصافير الخارجية التي اصطادها أردوغان فهي تحتاج إلى مقال آخر، وهي كثيرة وفيها الكثير من العجب.