10 نوفمبر 2025

تسجيل

قمة بطرسبرج

12 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كرّست قمة بطرسبرج الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان كلاعبين أساسيين في الملف السوري لا يمكن تجاهل مواقفهما، ويمكن القول بأن التوفيق بين مصالح البلدين يعد متطلبا أساسيا لإيجاد مخرج لحل الأزمة السورية. والحق أن اللقاء له مبرراته الإستراتيجية بالنسبة للجانبين التركي والروسي. فالإستراتيجية الروسية ومنذ نهاية الحرب الباردة تسعى إلى عدم استعداء تركيا وتقريبها إلى الموقف الروسي، وبخاصة أن تركيا هي عضو رئيسي في حلف شمال الأطلسي الذي كان مبرر وجوده العداء للشيوعية والاتحاد السوفييتي. وتحرك بوتين كان سريعا، فما أن أُعلن عن إحباط الانقلاب العسكري في تركيا وما أن بدأ وكأن هناك ترددا في الموقف الغربي حتى تحركت روسيا بقوة مغازلة أردوغان. فالرئيس بوتين -الرئيس الذي يميل إلى الدكتاتورية- لا يقيم وزنا لمسائل حقوق الإنسان، وبالتالي لم يجد ما يضيره من دعم ولو لفظي للرئيس التركي، وهذا على العكس من الغرب الذي بدلا من إدانة الانقلاب انشغل بتوجيه انتقادات موجعة للرئيس التركي على خلفية تطهير المؤسسات من أتباع فتح الله غولن الذي تتهمه الحكومة التركية بأنه يقف خلف الانقلاب الفاشل. المبرر الثاني بالنسبة للرئيس بوتين هو اقتصادي بحت، فالعقوبات التي فرضها على تركيا تلحق ضررا أكبر بالمصالح الروسية، وهو أمر لا يخدم روسيا، وبخاصة أن اقتصادها يعاني من مشاكل كثيرة ومن ضعف متزايد، فروسيا التي تشن حربا على جبهتين واحدة مؤجلة مع أوكرانيا وأخرى في سوريا تعرف جيدا بأن الاستمرار في تردي الأوضاع الاقتصادية سيضعف من مكانة روسيا التي يعمل بوتين جاهدا لاستعادة جزء منها. كما أن أردوغان أغرى بوتين في مسألة تصدير الغاز الروسي عبر تركيا بدلا من أوكرانيا وهو أمر يسيل له لعاب الكرملين. بالمقابل، يشعر أردوغان بأن الغرب طعنة في الظهر، وأن دراما الانقلاب الفاشل وما تبعه يثبت لأردوغان أن روسيا يمكن أن تكون حليفا ولو بشكل تكتيكي، والحق أن أردوغان لم يعد يثق بالأمريكان وربما يتهمهم بأنهم كانوا وراء الانقلاب، ففي وقت توقع أن يسارع الغرب إلى الانحياز إلى الديمقراطية خذله الغرب بانتقادات اعتبرها أردوغان بأنها لا تستند على أرضية صلبة وأن من شأنها دب الفوضى في تركيا. وعلى العكس مما يعتقده الكثيرون، فإن مصلحة تركيا الأولى في سوريا هي إلحاق هزيمة بالأكراد سواء على المستوى الداخلي المتعلق بحزب العمال الكردستاني أو على المستوى الإقليمي المتمثل بقوات وحدات حماية الشعب التي تحصل على مساعدات أمريكية وروسية. ويبدو أن أردوغان توصل إلى نتيجة بأنه لا يمكن له أن يلحق هزيمة بالأكراد إلا إذا أقنع روسيا بوقف الدعم لهم. الرئيس بوتين بدوره يريد أن تتخلى تركيا عن دعم المعارضة السورية لتسهيل مهمة الأسد والقوات المتحالفة معه لحسم معركة حلب، وهو أمر ليس بالسهل إن استمرت تركيا في مواقفها الحالية، ويكفي أن نشير إلى الهزائم التي لحقت بالروس والنظام السوري الأخيرة ما كان يمكن أن تتم لولا الدعم التركي. ويشعر الرئيس أردوغان أنه ليس من دون أوراق، وبخاصة أن لبلاده تأثيرا كبيرا في القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى. من المبكر الحكم على قمة بطرسبرج، فالملفات الإستراتيجية في غاية التعقيد والتداخل، فلا الرئيس أردوغان على وشك الاستسلام لبوتين، ولا الأخير على استعداد لتغيير مواقفه الرئيسية في سوريا دون مقابل، لذلك فإن القمة حققت مكتسبات للطرفين دون أن تؤثر على مصالحهما المتعارضة في الملف السوري، وفي أحسن الأحوال ستعود العلاقة إلى ما قبل حادثة إسقاط طائرة السوخوي الشهيرة. ومن دون شك لن تكون هذه القمة الأخيرة بل ستكون هناك لقاءات قادمة كثيرة يمكن أن تؤسس لعلاقة مختلفة عما نشهده الآن. باختصار، من المستبعد أن تندرج تركيا وروسيا في حلف إستراتيجي جديد، فمصالح تركيا لا تزال مع الغرب ومع العمق العربي الذي استثمر في تركيا واستثمر فيه أردوغان، فنزع فتيل التوتر مع روسيا يخدم الطرفين، لكنه لن يكون بديلا لتركيا عن إرث العلاقة مع الغرب، فتركيا تدرك جيدا أن سياسة الانكفاء التي تمارسها إدارة الرئيس أوباما قد تتغير مع الإدارة الجديدة وعندئذ سيكون لتركيا دور محوري في ملفات المنطقة الملتهبة. والغرب بشكل عام لا يخشى من العلاقة الروسية التركية وإن كان يراقب وتيرة تطورها واحتمال انعكاس ذلك على مصالح وإستراتيجيات الغرب في المنقطة. بمعنى آخر، تمثل استدارة تركيا الأخيرة خطوة محسوبة في سياق تعظيم أردوغان لمكتسبات بلاده في وقت أصبحت السمة الطاغية على إقليم الشرق الأوسط هي عدم التيقن.