18 سبتمبر 2025

تسجيل

التغيير في العراق.. المهمة المستحيلة

12 أغسطس 2015

حين خرجت جموع العراقيين الشعبية ومقاصدها وأهدافها شتى تطالب بالتغيير، وترسم بدايات وإرهاصات طريق الخلاص الوطني، فإنها كانت تعلم أن المهمة صعبة ومعقدة ومرتبطة بخيوط وتفرعات، بعضها خارج إطار السيادة الوطنية العراقية، وفوق قدرة رئيس الحكومة محدود القدرات أصلا والمرتبط جينيا وتفصيليا وحتى عقائديا بأهرام الفساد وحيتانه التي نمت وترعرعت في العراق وسط أجواء الطائفية النتنة وشعاراتها الرثة التي رسمت وبالدم والدموع والآلام صورة متخلفة عن العراق الذي كان رمزا حضاريا شاخصا، فحولته قوافل الأحزاب الطائفية الفاشلة وقياداتها المافيوزية لبلد فاشل ينعق البوم بأرجائه، وتنتشر في روابيه فرق الموت والقتل وعصابات التطرف والضلالة والشر، وتنهب موارده عصابات منظورة وغير منظورة من الفاسدين المعروفين أو المتوارين خلف حجب وأستار المرجعيات السياسية وغيرها. العراق ينهب منذ أن قررت الولايات المتحدة تدميره وإعادته لخمسة قرون إلى الخلف ونجحت في مهمتها بامتياز من خلال اختيار الفريق الحاكم الذي تكفل بإحالة أوراق العراق للإعدام البطيء، فالنهب ممتد منذ عقد ونيف من السنين، وقوافل وأسماء "الحرامية" واللصوص حاضرة في الذاكرة والمشهد العراقي ومعروفة للقاصي والداني وأشهرها وزير التجارة السابق وسارق قوت العراقيين، الدعوي المعروف عبد الفلاح السوداني، الذي يعيش اليوم في قصره البريطاني محتمياً بجنسيته البريطانية بعد أن سرق مئات الملايين من الدولارات وفقاً للمحاكم العراقية ذاتها، فهل توبع؟ وهل عوقب حزبه الإيماني جداً جداً؟ وهل تمت أي إجراءات لاسترداد الثروة المنهوبة عن طريق القانون الدولي؟. وغير ذلك الشخص الكثير وبعضهم يرفع اليوم رايات محاربة الفساد وهو من أكبر الفاسدين، في مهرجان نفاقي عراقي كبير له أول وليس له آخر. قد تبدو قرارات حيدر العبادي بترشيق الحكومة وتخفيف أعداد الحمايات وإلغاء بعض المناصب حاسمة للبعض، ولكنها ليست كذلك أبداً في بلد تتربع فيه مافيات الفساد على قمة هرم تسيير الوضع العراقي، فحيدر العبادي في النهاية هو ابن شرعي لمؤسسة الفساد الطائفية التي دمرت العراق، وهو قادم أصلا من صفوفها الخلفية، فهو لم يكن من القيادات الدعوية اللامعة أو المعروفة، بل كان، حسب شهادة الدعوي السابق والقطب القوي في التحالف الطائفي والرجل المثير للجدل عزة الشاهبندر، أحد أغبى أعضاء حزب الدعوة، وحتى اختياره لرئاسة الحكومة كبديل للمالكي كان باعتباره بدل فاقد بعد أن أوصل المالكي البلاد للكارثة، فجاء العبادي للحكم بشكل باهت وهو خائف من نفوذ وسطوة المالكي الذي تحول لنائب أول لرئيس الجمهورية بصلاحيات تنفيذية، "فكأنك يا بو زيد ما غزيت". لقد حملت حكومة العبادي بذرة فنائها وعجزها معها، باستمرارها بتبني أسلوب المحاصصة الطائفية الذي أقيمت على أساسه الدولة العراقية الجديدة والفاشلة بعد عام 2003، كما أن شخصية رئيس الحكومة كانت غائبة تماما عن المشهد، ولو كان العبادي يستطيع التحرك الفعلي ويهدف للإصلاح التغييري الشامل لكانت خطوته الأولى في تجميد نوري المالكي وإحالته للتحقيق بتهم عديدة وثابتة وأبرزها التسبب في دمار الاقتصاد العراقي وإراقته لدماء أبناء الشعب، وتكريسه للمنهج الطائفي الرث في إدارة الدولة، وتخريبه للعلاقات مع دول الجوار العربية، ومساندته وجماعته الكاملة لسفاح الشام. ولكن جميع أقوالنا هذه مجرد أحلام وتهيؤات لا تصمد أمام حقيقة الأوضاع العراقية الرثة التي أوصل الفاسدون البلد إليها، كل قرارات التغيير سطحية وعامة ولا تلامس المطالب الحقيقية والجذرية لما يحتاجه العراق، والتي أولها إبعاد الأحزاب الدينية والطائفية عن سدة السلطة وتسليم أمور قيادة الدولة لنخب وكفاءات حقيقية لا علاقة لهم بالطائفية وأمراضها الوسخة ورؤاها الرجعية. للفساد في العراق مملكة، بل إمبراطورية شاخصة وعملاقة وممتدة وسقوط بعض الفاسدين لا يعني أبداً سقوط الفساد، بل إن ما يحصل مجرد مناورة للالتفاف على المطالب الحقيقية للجماهير وبدعوى أن الأولوية ينبغي أن تكون لدحر تنظيم الدولة، وهو كلام حق أريد به باطل، فلولا الفساد الكبير ما انحدر العراق لذلك المستوى الرهيب من الصراع الذي يمزق اليوم أوصاله.. الحقيقة الميدانية تقول بأن الانتصار على الفساد أمر لا يقوم به من جاء للسلطة عبر قاطرة ذلك الفساد، والسيد العبادي ليس مؤهلا، لا فكريا ولا شخصيا، لأن يرفع سيف استئصال الفساد ما دام مرتبطا بحزب الفساد واللصوصية وهو حزب الدعوة. فمن يحارب الفساد الحقيقي لا يمكن أن يكون دعويا، بل عراقي وطني متسامٍ على الطائفية والتحزب... وتلك لعمري مهمة مستحيلة في عراق الملل والنحل والكوارث.