14 سبتمبر 2025
تسجيلصحيح أن شباب غزة ورجالها قاتلوا ببسالة وقوة وشجاعة عز نظيرها، وصحيح أن أهالي غزة وفروا حاضنة شعبية كبيرة وقوية للمقاومة الفلسطينية، فالشباب الذين يقاتلون هم أبناؤهم وإخوتهم، أو هم الآباء، وبالتالي فإن التلاحم ما بين المقاتلين على الأرض وبين الناس في بيوتهم كان وثيقا إلى درجة الارتباط المصيري والوجودي، وهذا ما أثمر صمودا لحوالي مليوني فلسطيني محشورين على مساحة تتجاوز 360 كيلومترا.بكن الصحيح أيضاً أن الخسائر والتضحيات التي قدمها الفلسطينيون في غزة كبيرة وجسيمة وفادحة، فالتقديرات تشير إلى تدمير 44% من المساكن في غزة بشكل كلي أو جزئي، مما يعني أن نصف سكان القطاع حاليا صاروا بلا منازل ولا سقوف تؤويهم، وهذه مشكلة كبيرة تحتاج إلى حل سريع وبدون الخضوع إلى أي مساومات أو صفقات من أي طرف كان.أمس كنت احدث زميلي وصديقي حمادة في قطاع غزة، وهو من الشباب النشطين، وبينما كنت اكلمه على الهاتف بكى من هول المشاهد التي كان يصفها لي في خان يونس، حيث استغل ساعات التهدئة من أجل القيام بعمل إغاثي لصالح المتضررين، فالمنطقة التي كان يقوم بإحصاء أضرارها مدمرة والناس لا مأوى لهم، والمرضى منهم بالكاد يجدون مكانا للعلاج بسبب الضغط الشديد على ما تبقى من مستشفيات. يعيش في منزل حمادة 3 عائلات وفي مكتبه المكون من شقة 6 عائلات، فهو يعمل في الشقة رغم تحويلها إلى ملجأ لمن هدمت بيوتهم صديقي حسام نصر الله، أرسل لي صور بيته الذي قصفته آلة الحرب الإسرائيلية الهمجية البربرية، فقذائف الدبابات اخترق غرفة وصالون الجلوس وأحدثت أضرارا كبيرة، مما جعل المنزل غير صالح للسكن في منطقة الشجاعية، إلا أنه ورغم ذلك عاد إلى المنزل وهو وبعض عائلته لأنه لا يوجد بديل.حكاية حمادة وحسام هي حكاية اهل غزة كلهم، ففي غزة نصف السكان هدمت بيوتهم والنصف الآخر يؤوون أصدقاءهم وأقاربهم، ومن لم يجد مكان ذهب إلى المدارس التي تحولت بدورها إلى مصائد للموت.صحيح أن أهل غزة أبطال، لكنهم بشر أيضاً من لحم ودم، يتألمون ويتوجعون ويحتاجون للمساكن والطعام والشراب والدواء، ويكفي أن نعلم أن غزة تعاني في وضعها الطبيعي من غير حرب من نقص كبير في مياه الشرب، فمياهها مالحة بسبب عدم وجود محطات لتحلية المياه، أو مصادر للمياه العذبة.. هؤلاء البشر الأبطال لا يجوز تركهم وحدهم نهبا للجوع والحر والرطوبة وانقطاع الكهرباء، وواجب الفلسطينيين خارج فلسطين أن يقوموا بدعمهم بكل الطرق، وواجب "الأشقاء" العرب، أو ما بقي منهم أن يدعموا شعبا صنع بطولة لأمة لم تعرف منذ قرن من الزمان سوى المهانة من أعدائها.الوضع في غزة خطير ومأساوي وبائس، وأهالي غزة يعانون ويتألمون ويتعذبون ماديا ونفسيا ومعنويا، ولا يجوز على الإطلاق النظر على غزة باعتبارهم "صورا" أو "مشاهد في فيلم اكشن" أو أبطالا لا يحتاجون إلى مساعدات ودعم وإغاثة.هناك عائلات كاملة ينقصها الغذاء والدواء والماء، وهناك مرضى تنقصهم العلاجات، وهناك عاطلين عن العمل يحتاجون إلى أعمال، وهناك تجار يحتاجون من يعوضهم عن خراب متاجرهم، وهنا أصحاب مصانع ومؤسسات ومزارع دمرت الآلة العسكرية الصهيونية الإسرائيلية مصانعهم ومؤسساتهم ومزارعهم، وهناك شباب لا يملكون في جيوبهم دينارا ولا دولارا ولا ريالا يحتاج إلى من يدعهم بالمال والأعمال لكي يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي.الغزيون أبطال وأشاوس وشجعان لكنهم بشر يحتاجون إلى المأكل والمشرب والمأوى، وواجب الجميع أن يشارك في المعركة بالمال والدعم وهذا أضعف الإيمان.