12 سبتمبر 2025

تسجيل

رغم البهجة الوجع عنوان المرحلة

12 أغسطس 2013

ساكن قلبي متوقف عن النبض، غابت عنه البهجة رغم حفاوة تبدو بأيام العيد، معلنة معانقة الفرح، لكنه يستعصي على المجيء، كيف يجيء الفرح والوجع عنوان المرحلة والشعب منقسم وثمة دماء سفكت ومناطق أغلقت وبيوت هدمت وأرواح أزهقت في المحروسة. لم يكن عيدا إذن، صحيح ثمة من خرج إلى الطرقات والحدائق والشواطئ غير أن العبوس هو المسيطر على قسمات الوجوه. الجميع متوجس مما يمكن أن يحدث خلال الأيام القليلة القادمة، بل الساعات القليلة القادمة خاصة في ظل فشل ما يوصف رسميا بالجهود العربية والدولية التي بذلت في آخر رمضان المبارك لدرء الفتنة واحتواء الاحتقان بين أطراف الأزمة وصدور بيان رسمي من مؤسسة الرئاسة يعلن انتهاء المساحة الزمنية المخصصة لهذه الجهود وهو ما دفع الطرف الآخر المعتصم في كل من ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر شرق القاهرة وميدان النهضة بالجيزة إلى التصعيد مما تجلى في ثاني أيام العيد عبر تنظيم مسيرات ومظاهرات أربكت الحركة بالعاصمة وبعض المحافظات مع تبني خطاب سياسي إعلامي ينطوي على قدر كبير من التحدي للحكم الانتقالي القائم وتوجيه رسائل سلبية للمؤسسة العسكرية وقائدها الفريق أول عبد الفتاح السيسي. لم يكن عيدا إذن، فكيف يتم تبادل التهاني به والبشر منقسمون حتى داخل الأسرة الواحدة فمع اشتداد النقاش بين مؤيد للرئيس السابق محمد مرسي ومناهض له تجهض كل فرصة للتقارب مما أشعل جذوة الخلاف والتنائي وشخصيا أصدرت قرارا صارما بمنع النقاش في المنزل بعد أن استمر حادا طوال ليلة العيد بين بناتي المنقسمات في الرأي ومنهن اثنتان مؤيدتان لمرسي في مقابل أغلبية الأسرة الرافضة له وعطل الأعمال المنزلية التي كانت تقودها زوجتي بكفاءة عالية كعادتها لإعادة هيكلة المنزل استعدادا لاستقبال العيد. لم تكن المحروسة معتادة على أجواء الانقسام والتشظي والتباعد بين بنيها رغم كل ما جرى طوال تاريخها القديم والحديث، بل إن وحدة نسيجها الوطني شكلت دوما معيارا أساسيا لحركتها وقدرتها على مواجهة المحن وهي عديدة، سواء خاصة أنها كانت ناتجة عن غزو خارجي أو استبداد داخلي غير أن ما جرى خلال الأشهر المنصرمة خاصة منذ الثلاثين من يونيو جعلها مفتوحة على احتمالات خطيرة قد تدفع في رؤية البعض إلى حرب أهلية لا قدر الله وهو احتمال قائم بقوة في ظل رفض جماعة الإخوان المسلمين والقوى المتحالفة معها لأي طروحات أو مبادرات من شأنها أن تدفع بهم لأن يكونوا جزءا من العملية السياسية القائمة حاليا والمندفعة إلى بناء دولة ديمقراطية مدنية وطنية حديثة تقوم على المواطنة والمشاركة لا المغالبة بعيدا عن هيمنة فصيل بعينه وفي الوقت نفسه ثمة احتمال باللجوء إلى القوة من قبل الأجهزة الأمنية المكلفة رسميا من قبل الحكومة لفض اعتصام ميداني رابعة والنهضة اللذين بات يشكلان بؤرة توتر وقلق وتحد بدلا من أن يكونا عنوانين لفعاليات تجسد التعبير لسلمي عن الرأي. وشخصيا أرفض اللجوء إلى القوة أيا كان شكلها لفض الاعتصامين وذلك من منظور أن المعتصمين في الميدانين هم مصريون بالأساس وبالتالي لا يجوز أن يستخدم مصري السلاح ضد مصري آخر مهما تباينت المواقف والرؤى ولاشك عندي أن النخبة الحاكمة حاليا مدركة لهذه الحقيقة وتسعى بكل قوة للنأي عن منهجية القوة ولكن الطرف الآخر مطالب بشدة بأن ينأى عن آليات الاستفزاز والتحدي ضد القيادات الحالية خاصة قيادة الجيش وبعضها يقع تحت طائلة القانون فضلا عن كونها تتعارض مع منهجية الإسلام الدين الحنيف الوسطي الذي يرفض المسلم اللعان والمسلم الشتام والأهم هو ألا يلجأ هذا الطرف إلى محاولة اقتحام مؤسسات ومنشآت الدولة سواء مدنية أو عسكرية لأن ذلك سيشكل ذريعة قانونية بل وأخلاقية للرد على أي مثل هذه المحاولات فضلا عما يمكن أن ينجم عنها من إراقة الدماء وإزهاق النفوس وهو أمر تأباه الطبيعة الحضارية والمكون الديني للمصري. إن فض الاعتصامين في رابعة العدوية والنهضة بات خطوة ضرورية مبدئية للاقتراب من مرحلة إنهاء الاحتقان ولن يعيب جماعة الإخوان والقوى المتحالفة معها اتخاذ قرار بهذا الشأن إذا ما وضعت في اعتبارها مصلحة المحروسة وليس مصلحة الجماعة وقياداتها، فالسلطة خاصة الدنيوية لا ينبغي أن تكون غاية نهائية ووحيدة لها وأظن أن ما جرى يمثل فرصة للجماعة لالتقاط الأنفاس وإعادة النظر في مسلمات عديدة في ظل تجربة التعامل بشكل مباشر مع حكم دولة بحجم المحروسة وحتى أكون صريحا فإنها لم تفعل ذلك فقد تفقد أي إمكانية للعودة إلى السلطة مجددا في السنوات المقبلة وفق محددات صناديق الاقتراع ومبدأ تداول السلطة خاصة بعد أن تكون قد امتلكت نضوجا سياسيا يؤهلها للتعامل مع الوطن والمواطنين بتجرد ولبس بحثا عن التمكين لها في مفاصل الدولة وفق نظرية التفتيت والإحلال والتجديد التي انتهجتها خلال العام الذي حكمت فيه المحروسة دون أن تعر الاهتمام المطلوب والضروري لأشواق الناس في تلبية احتياجاتهم اليومية وحل معضلات الحياتية التي تفاقمت خلال العام المنصرم. وفي المقابل فإنني أدعو السلطة القائمة إلى تجنب اللجوء إلى القوة في فض اعتصامي رابعة والنهضة لأنه لو حدث ذلك سيثمر مردودا سلبيا على شرعيتها المستمدة من الشرعية الثورية التي جسدتها ملايين الثلاثين من يونيو والسادس والعشرين من يوليو الماضي، صحيح أن الفريق أول السيسي حصل على التفويض الذي طلبه من الجماهير للتعامل مع العنف والإرهاب المحتمل ولكن هذا التفويض لا يعني اللجوء إلى القوة، بل إن ما فهمته من تصريحات السيسي والمتحدث العسكري باسم القوات المسلحة أو حتى وزارة الداخلية أنها لم تطرح معامل القوة في فض الاعتصامين وبالتأكيد ثمة إجراءات وبدائل عدة أمام صانع القرار السياسي في المحروسة الآن ليس من بينها البديل الأمني بشرط التزام الطرف الآخر بالسلمية وتقديم الأدلة والبراهين على أنه لا يخزن الأسلحة والمتفجرات والألغام في مواقع الاعتصامين والتخلي عن خطاب التحدي والاستفزاز. إن الباب ينبغي أن يبقى مفتوحا لكل المبادرات الرامية إلى إعادة الحوار والتفاعل الإيجابي بين أطراف الأزمة المصرية فدماء المصريين وعودة العافية إلى الوطن أهم بكثير من السلطة ومشتقاتها. السطر الأخير: هو عيد أتمناه أن يطل عليك زاخرا بالهناءات والإشراقات فتضفي على حياتي يقين البهجة المسافرة والتي لن أستعيدها إلا باستعادة روحك المفعمة بالحلم والأشواق الكبرى