14 سبتمبر 2025
تسجيلعادة ما تؤدي القراءات الخاطئة في الاقتصاد والسياسة إلى خسائر جسيمة لا يمكن إصلاحها بسهولة، ففي الوقت الحاضر تتسارع التغيرات الاقتصادية والسياسية، بحيث لا تتيح للكثير من البلدان، وبالأخص في العالم النامي قراءات هذه التطورات بصورة صحيحة. لقد أشرنا مرارا إلى تغير موازين القوى الهائل الذي طرأ في مجال الطاقة، وذلك منذ أن تأسست وكالة الطاقة الدولية في منتصف السبعينيات والمعبرة عن مصالح البلدان المستهلكة للنفط والهادفة إلى تقليل اعتمادها على مصادر النفط المستورد إلى حدها الأدنى عن طريق إجراءات وبدائل حددت مسبقا. في الأسبوع الماضي استغرب الرئيس أحمدي نجاد من الكيفية التي استطاع بها الغرب التخلي عن النفط الإيراني الذي هو بحاجة إليه، كما ذكر، مضيفا أن الأغرب من ذلك أن أسعار النفط انخفضت في ظل مقاطعة النفط الإيراني، بدلا من أن ترتفع! ملقيا باللوم على الاستكبار العالمي، أي الولايات المتحدة والغرب بشكل عام. والنتيجة خسائر تقدر بـ 133 مليون دولار يوميا لقطاع النفط الإيراني على شكل مبيعات نفط ضائعة، وتدهور اقتصادي وارتفاع في معدلات البطالة، في حين ذكر رجال أعمال إيرانيون، بمن فيهم بعض تجار البازار المتذمرين والذين وقفوا مع الثورة في بدايتها أن العقوبات المفروضة تلقي عبئا ثقيلا على الأعمال التجارية غير المرتبطة بالبرنامج النووي أو بالنظام الحاكم. في ظل هذه الأوضاع قدمت قراءة خاطئة أخرى تدعو الإيرانيين إلى زيادة النسل لرفع عدد السكان من 70 مليون نسمة تقريبا في الوقت الحاضر إلى 200 مليون نسمة، وذلك في ظل ارتفاع معدلات البطالة وهجرة ملايين الإيرانيين للبحث عن عمل، وبالأخص في دول مجلس التعاون الخليجي الست القريبة جغرافيا. أما من يقرأ التطورات الجارية بصورة صحيحة، فإنه لا يستغرب أبداً حدوث هذه التطورات في صناعة الطاقة العالمية، وذلك لأسباب عديدة سبق وأن تطرقنا إليها في هذه المساحة، إذ إن مثل هذه الوضعية في سوق الطاقة جرى التحضير لها منذ أكثر من ثلاثة عقود وتسرعت وتيرتها بعد سقوط نظام الشاه واندلاع أكثر من حرب في منطقة الخليج العربي. الأمر الجدير بالذكر والذي يمكننا الإشارة إليه هو أن هذا التوجه الغربي سوف يستمر وإليكم بعض المؤشرات، فصحيفة "وول استريت جورنال" أشارت قبل شهر إلى توقع محللين في إدارة معلومات الطاقة" الأمريكية تراجع اعتماد الولايات المتحدة على النفط الخام الشرق أوسطي إلى النصف بنهاية العقد الحالي، وأن يتوقف الاعتماد عليه نهائيا بحلول عام 2035 على اعتبار أن نصف النفط الخام الذي تستهلكه أمريكا سيتم إنتاجه محليا بحلول عام 2020 وذلك بسبب التقدم التكنولوجي الذي سيساعد على الكشف عن مصادر نفطية جديدة داخل أمريكا من خلال التنقيب عن النفط في المحيطات، بحيث ستستعيد الولايات المتحدة موقعها ضمن أوائل البلدان المنتجة للنفط والغاز. أما أستراليا، فإنه من المرجح أن تصبح أول منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم لتحل محل قطر بحلول عام 2020 وذلك نظرا لامتلاكها احتياطيا هائلا سيدوم لأكثر من قرن من الزمن، علما بأن استثمارات أجنبية كبيرة بدأت في التدفق لتطوير مصادر الغاز الأسترالية لبناء 7 من أكبر مشاريع إنتاج الغاز المسال في العالم. مجمل هذه التطورات وغيرها، بما في ذلك تطوير أوروبا لمصادر الطاقة البديلة لم تأخذها إيران بعين الاعتبار، علما بأنها مستمرة في التخلي عن سياسة الرئيس السابق السيد خاتمي العقلانية الرامية إلى إقامة علاقات حسن الجوار مع بلدان العالم، وبالأخص مع دول منطقة الخليج التي تبادل إيران باستمرار التعاون والصداقة والتي كان آخرها دعوة سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية. في المقابل قرأت دول مجلس التعاون مجمل هذه التطورات بصورة صحيحة فعمدت إلى تطوير قطاعاتها غير النفطية وتنمية مصادر الطاقة البديلة، وبالأخص الشمسية منها، حيث تستثمر دول المجلس مجتمعة أكثر من 200 مليار دولار في إنتاج الطاقة الشمسية، منها 109 مليارات للسعودية و62 مليار دولار للإمارات. وبالإضافة إلى هذه القراءة الصحيحة، يمكن لدول المجلس مواصلة قراءة بقية تداعيات التغيرات المرتقبة في صناعة الطاقة العالمية، بما فيها تكاملها وتحالفاتها وعلاقاتها الإستراتيجية، إذ إنه بعد عقدين من الزمن سوف ينخفض كثيرا اعتماد الغرب على النفط والغاز المستورد من دول الخليج العربية، وهنا بالذات لا بد من التركيز على توجهين رئيسيين، أولهما يكمن في تعزيز التعاون والهوية الخليجية بالمزيد من التكامل والاعتماد على القوة الذاتية لحماية مكتسبات دول المجلس. أما العامل الثاني، فإنه يكمن في إعادة ترتيب تحالفات دول المجلس لتتناسب وتبادل المصالح وحفظ وسلامة دول الخليج العربية في ظل التغيرات العالمية والإقليمية المتسارعة وإيجاد التوازن المطلوب بين ضفتي الخليج العربي.