16 سبتمبر 2025
تسجيلعندما كنت مدرساً للغة الإنجليزية بالمرحلة الثانوية، في السودان، كان أحد طلابي يتمتع بمناعة وحصانة ضد تلك اللغة، (تماماً كالجامعة العربية التي تتمتع بحصانة ضد الموت ومناعة ضد التطور)، المهم أنه وعلى مدى سنتين متتاليتين لم أسمع له حساً خلال وجودي في حجرة الدراسة فأطلقت عليه اسم أبو الهول، (يقول أحمد شوقي: أبا الهول ماذا وراء البقاء/ إذا ما تطاول غير الضجر.. أي أن شوقي يعتقد أن أبا الهول ربما زهج من الجلوس في مكان واحد لقرون عديدة) ذلك الفتى استحق التشبيه بالتمثال الصامت عبر القرون، لأنه كان يجلس واضعاً رأسه بين يديه المسنودتين على الطاولة الصغيرة، ومحملقا في الهواء دون أن تبدر منه أي حركة، وكلما وجهت إليه سؤالاً اكتفي بهز رأسه بما معناه "حِل عني"، وعرضت عليه أكثر من مرة أن أقدم له مساعدة خاصة كي يقوم بتطبيع العلاقات مع اللغة الإنجليزية، ولكنه كان مقتنعاً بأنه غير مبرمج لنطق كلمة إنجليزية واحدة، ثم عرفت أنه يمارس دور أبي الهول أيضا في دروس الفيزياء والكيمياء، وأن غاية الطموح عنده أن ينال شهادة "إكمال" المرحلة الثانوية، كي "يحِل" أبوه عنه. وكان صمت أبي الهول السوداني من نحاس، لأنه لم يكسب من ورائه شيئاً، بعكس صمت البريطاني جيمس كران، عضو البرلمان، ويخيل إليّ أن الرجل من أصل عربي أو يحمل جينات عربية، وربما كان اسمه الأصلي جمعة قرعان، فمنذ أن دخل البرلمان، كان يقول لنفسه في كل جلسة: لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن لم تصنه ركض ورمى بك خارج البرلمان!، فالنائب المحترم كران لم يفتح فمه بكلمة واحدة في البرلمان طوال ثلاث سنوات، لم يشارك في نقاش أو يطرح سؤالاً، لا منطوقاً ولا مكتوباً، وحتى عندما يتطلب الأمر رفع الأيدي للتصويت فإن كران وفي غالب الأحوال يضع يديه في جيبيه، أو يتفادى الجلسات البرلمانية التي تتطلب التصويت، ومع هذا فقد ظل يتقاضى سنوياً راتباً قدره 184 ألف إسترليني، وفوقه بدلات للمكاتب والمساعدين تبلغ اكثر من 170 ألف إسترليني، ولأن دائرته تقع خارج لندن حيث مقر البرلمان فقد كان يتقاضى 76 ألف إسترليني نظير الإقامة في لندن خمسة أيام في الأسبوع، فضلاً عن "نثريات" تبلغ 19 ألف استرليني!، هل فهمتم لماذا أعتقد أن هذا الرجل برلماني عربي أو من اصل عربي؟ يعني لا يحل ولا يربط ولا يهش ولا ينش، ويدخل جيبه نحو 700 ألف دولار سنويا!. وفي مجلس اللوردات البريطاني، وهو أكبر تجمع للتنابلة على وجه الأرض، احتفل أحد اللوردات بمرور 32 سنة عليه في المجلس دون أن يقول كلمة واحدة، رغم أنه لا يفوِّت جلسة،.. فهو حريص على حضور الجلسات وعندما يشتد النقاش يضع رأسه على كتفه الأيمن، و... خ خ خ خ خ خ، ولم تصدر شكوى من أي من أعضاء المجلس من شخيره، لأن معظمهم يعانون من ضعف السمع أو الصمم التام!، وأعود إلى جيمس كران أو جمعة قرعان فأقول إن جيناته العربية تتجلى أيضا في أنه يفعل ما يفعله البرلمانيون العرب، الذين يعرفون أن سبيلهم الوحيد للمحافظة على مقاعدهم، هو أن يكونوا ببغاوات يرددون الكلام المعلب الذي يتم توزيعه عليهم، وإذا كان الواحد منهم لا يتحلى بمواهب ببغاوية فإن المطلوب منه هو الصمت التام، فالصمت البرلماني العربي من ذهب: تصمت تكسب.. تتكلم "تذهب". وفي تقديري فإن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ربما كان سيفوز بولاية ثانية لو نجح في كبح لسانه، ولكنه يعشق الثرثرة، وهكذا وكلما فتح فمه أثبت أنه جاهل عصامي يزداد غباء وعيَّاً كلما امتد به العمر، وهكذا أيضا صار أول مسؤول أمريكي رفيع المنصب يتم حظره من منصة تويتر (والكلمة تعني فيما تعني الشقشقة) لأنه استخدمها لبث سموم العنصرية والاستعلاء العرقي وهذه من خصال من يعانون من مركبات نقص. [email protected]