13 أكتوبر 2025
تسجيلنادراً ما تتفق كل التحليلات الدبلوماسية لدى دول الغرب وكل التقييمات الأكاديمية في مراكز بحوثهم الإستراتيجية وكل التعليقات الأممية في المنظمات الإقليمية والدولية حول موضوع دقيق وخطير مثلما اتفقت هذه الأيام بمناسبة الزيارة التاريخية التي أداها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن واستقباله من قبل الرئيس ترامب بعبارات (أيها الصديق العظيم، أيها الحليف الناجع لمقاومة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله ونشر السلام والأمن في منطقتكم وفي العالم). نعم هكذا استُقبل أمير قطر بما يتجاوز مجرد الأعراف البروتوكولية إلى تأكيد حرص الإدارة الأمريكية على تنزيل الزيارة منزلتها الحقيقية كأنموذج متميز وفاعل في الشراكة الإستراتيجية بين الدولتين بما يخدم السلام والأمن في العالم. ولم يغفل الناطقون الرسميون أو شبه الرسميين في واشنطن عن الإشارة إلى أن قطر بفضل حكمة أميرها وكبرياء قيادتها تعتبرها الولايات المتحدة حليفاً لا تابعاً وشريكاً لا ديكوراً بل وتنظر الإدارة الأمريكية الى قطر بعيون الاحترام والتقدير وتسمع باستمرار إلى صوت العقل في معضلات العلاقات الدولية. ويقدم هؤلاء السياسيون نظرة قطر للأزمة بين الغرب والجمهورية الإيرانية كرؤية ذكية وموضوعية لتفادي المواجهة وحل الأزمة بالحوار كما يقدمون الوساطات القطرية التي جنبت العالم حروبا أهلية بعقد لقاءات بين الفرقاء في الدوحة، كما يقع اليوم في الحوار الأفغاني الأفغاني برعاية قطرية ألمانية وحضور أمريكي، وهو ما أدى إلى وضع خريطة طريق للسلام في أفغانستان سميت خريطة الدوحة وهو نفس ما فعلته قطر مع الأزمة اللبنانية والحرب السودانية والقطيعة الفلسطينية. وحين نقول كبرياء قيادة قطر كما وصفتها مصادر دبلوماسية أمريكية وبريطانية وفرنسية، فنحن نعطي هذه العبارة كل مضمونها الأخلاقي والقيمي، أليست الدوحة هي من أعلنت تمسكها بحقوق الشعب الفلسطيني ورفض صفقة القرن إيماناً راسخاً من أميرها حفظه الله أن السلام الدائم والشامل والحقيقي لا يكون على حساب طمس حقوق فلسطين التي اعترفت بها منظمة الأمم المتحدة ووقعتها واشنطن وموسكو وبصمت عليها منظمة التحرير وإسرائيل (منذ مدريد وأوسلو وحديقة البيت الأبيض 4 سبتمبر 1994). كل المواقف القطرية إزاء قضايا العرب هي مواقف المبادئ الدولية والقانون الدولي والتمسك بالعدل والكرامة وعلى هذا الأساس أدت قطر رسالتها القومية والإنسانية بإعادة إعمار قطاع غزة ومساندة أهلها بمليار دولار منذ سنوات لبناء المشافي والمدارس وتفعيل الإنتاج الكهربائي وتسديد رواتب مواطنيها الكرماء، في حين يحاصر غزة بنو عمومة وجيران عرب عززوا صلف اليمين الإسرائيلي وأيدوا ظلمه التاريخي لشعب أعزل أصبح اليوم مستهدفا بكيد أكبر هو صفقة بيع القضية والأرض والحقوق بأموال الخليج في تجارة مشبوهة وعدت إسرائيل ومصر والأردن بضخ مليارات مقابل الرضا بالتصفية النهائية لقضية فلسطين. هذه الكبرياء القطرية المشروعة لم تمنع قيادة قطر من تطوير الشراكة مع واشنطن في المجالات الإستراتيجية السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، بحيث ضربت الدوحة مثلا في الحصول على مشروع تحويل الخبرة التكنولوجية في تصنيع طائرات أباتشي وأف 15 بما يتيح لشباب قطري المشاركة في التصنيع وكسب تقنيات ومهارات التكنولوجيا العسكرية المتطورة. ولم تتردد دولة قطر في الدفع بالعلاقات الثنائية مع حليف تتفهم دوافعه إلى الأمام في جميع مجالات الاستثمار والتشارك الناجع في استقرار الشرق الأوسط بسن سياسات ذكية معتدلة في ميدان الطاقة والنقل البحري ومقاومة التخريب وهذا ليس يسيرا في جو مشحون بأنظمة غير مسؤولة وغير واعية بمخاطر ممارساتها وهي أنظمة عشوائية لم تتراجع أمام هزائمها وخيباتها وأصبحت مدانة دولياً وأممياً وأمريكياً بارتكاب جرائم حرب في الشقيقة اليمن وارتكاب أبشع جريمة اغتيال ضد رجل قلم وفكر هو جمال خاشقجي مع ضخ شحنات من الكوارث والكراهية والتباغض بين أبناء الخليج الواحد وأخطر من هذا قرع طبول حرب مدمرة بين الولايات المتحدة وإيران لفائدة اليمين الإسرائيلي المغتصب! ليس سهلا كما قالت صحيفتا (واشنطن بوست الأمريكية والغارديان البريطانية) على أمير قطر أن يُحكم العقل ويقنع العالم بأسره بأن السلام عدل أولا، وأن الأمن يؤسس على الحق والقانون وليس على المغامرة والحقد. هكذا قرأ العالم ونقرأ معه زيارة صاحب السمو الأمير الى واشنطن لأنها كما قال موقع (ميدل إيست أي) البريطاني تدشن عصرا جديدا في العلاقات الدولية وترسم خريطة طريق السلام العادل المقبول وتجنب العالم أشباح الحروب والدمار "الشمشوني" الذي يدعو إليه مغامرون من أبناء جلدتنا أعلن أحدهم الانسحاب من حرب اليمن كخضوع لواقع دامغ وأصبح آخر مهددا بمحاكمة دولية. سلمت لشعبك يا سمو الأمير ورافقك التوفيق إنك على الطريق المستقيم.