13 سبتمبر 2025

تسجيل

الجدران العازلة بين العرب

12 يوليو 2015

أعلنت تونس، قبل أيام، أنها شرعت ببناء جدار على طول حدودها مع ليبيا بطول 168 كيلو مترا لمنع تسلل "المتطرفين الإرهابيين والمهربين"، وأنها ستقيم حواجز إلكترونية رغم تكلفتها الباهضة، وعدم وجود أموال في الخزينة، ويضاف إلى هذا الجدار "خندق" وساتر ترابي، ومعه بالطبع إعلان حالة الطوارئ.الجدار التونسي والخندق الذي يعزل تونس عن ليبيا ويفصل بينها ليس الأول، وعلى الأرجح لن يكون الأخير، فقد سبقت السعودية إلى بناء جدار عملاق على حدودها مع العراق بطول 1000 كيلو متر، كما بدأت قبل عامين في بناء جدار على طول الحدود مع اليمن بطول 1600 كيلو مترا، وبعض الأخبار تقول إن طول الجدار الفاصل بين السعودية واليمن 2000 كم، ويهدف الجدار الذي يمتد من الساحل المطل على البحر الأحمر إلى عمان في الشرق، للحيلولة دون "مرور المهاجرين غير الشرعيين ومهربي المخدرات ومسلحي القاعدة". الجدار السعودي يهدف لعزل البلاد عن العراق الغارق في الدم، والحيلولة دون تسلل عناصر "الدولة الإسلامية" إلى الأراضي السعودية، ويحتوي هذا الجدار على خمسة خطوط من الأسوار الكهربائية المزودة بأبراج مراقبة وكاميرات ليلية وأحدث أجهزة الإنذار ومجموعة من الخنادق لحمايتها من هجمات تنظيم الدولة الإسلامية المحتملة".وإلى الشمال من السعودية يبني الأردن "جدارا" عسكريا على طول حدوده مع العراق للحيلولة دون أي تسلل "إرهابي" إلى أراضيه، وبالطبع هناك جدران جزئية مع سوريا قد تتحول في لحظة إلى مشروع بناء جدار كامل بين الأردن وسوريا.وفي الطرف الأقصى من عالم العرب فإن المغرب يبني جدارا إلكترونيا على طول حدودها مع الجزائر، ويمتد على مسافة 110 كم، وبارتفاع 3 أمتار، ويتكون من جزءين الأول من الأسمنت والثاني من حديد لمراقبة "الإرهابيين"، وطبعا هناك أجهزة استشعار "للشعور" بأي كائن يتحرك، ويشمل ذلك البشر والحمير التي تستخدم في التهريب، ويمتد الجدار على طول ثلاث ولايات مغربية وهي جراد، وجدة وبركان، وبدورها فإن الجزائر تبني جدارا أطلق عليه المغاربة "جدار برلين" على الحدود للحراسة عبر المراقبة الإلكترونية.وبالطبع فإن أشهر الجدران العربية هي السور المصري مع قطاع غزة، والذي يخنق الشعب الفلسطيني في القطاع بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، هذا السور، أراده الرئيس المخلوع مبارك أن يكون من فولاذ وخنادق مائية ومراقبة إلكترونية وكاميرات وأجهزة إنذار واستشعار، وفي عهد الانقلابي السيسي أضيف إلى الجدار منطقة عازلة بعمق 5 كم على طول الحدود المصرية الفلسطينية مع قطاع غزة، وتم تدمير مدينة رفح وإزالتها عن الوجود وتفجير منازلها، وتشريد أهلها.هذه عينة من الجدران العربية التي لم يحلم "سايكس – بيكو" بها يوما، فهذان الخبيثان "فرنسي وبريطاني" وضعا الحدود التي مزقت العالم العربي ورسمت الحدود الوهمية بينها، لتتحول الأمة العربية إلى أمم، وتتحول الدولة الواحدة إلى دول.ورثة "سايكس وبيكو" حولوا الحدود الوهمية المصطنعة إلى جدران مزودة بكل التقنيات والكاميرات والأجهزة، بل لقد حذر وزير الخارجية الأردني الغرب من أن تنظيم الدولة الإسلامية يهدم "الحدود"، وهذا يعني أن على الغرب أن يتدخل لمنع هدم الحدود والحيلولة دون إنهاء ما صنعه "سايكس – بيكو"، في محاولة للحيلولة دون سقوط فسيفساء ما بعد الحرب العالمية الثانية في العالم العربي.المشكلة التي تواجه العالم العربي حاليا هي أن الجدران على الأرض تتحول إلى جدران على الناس تمزق الأمة عاطفيا وشعوريا وذهنيا يجعل من الصعب توحيدها في المستقبل، فهذا الكم من التمزيق الوجداني قد يؤدي إلى تمزيق لا عودة عنه.الأنظمة العربية تحول دولها إلى قلاع محمية بالأسوار والأسيجة والعسسس، وهي قلاع ستقود العرب إلى عقلية "الغيتو" اليهودية، وستحول الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج إلى مجرد "غيتوهات" لا أكثر، وتمزقها بطريقة يصعب معها توحيدها في المستقبل.