17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لغاية كتابة هذه السطور لم تتمكن إيران والدول الخمس زائد واحد من وضع اللمسات الاخيرة لاتفاق نهائي بشأن ملف إيران النووي كما نص على ذلك اتفاق لوزان الذي تم التوصل إليه في الثاني من أبريل الفائت، وعلى الرغم من أن المفاوضات تُقدم على أساس أنها تجري بين القوى الكبرى من طرف وإيران من طرف آخر إلا أنها في واقع الحال تجري بين الولايات المتحدة من جانب وإيران من جانب آخر، بمعنى أن فرص أن يرى الاتفاق النور مرتبطة بمقدرة طهران وواشنطن على التغلب على العوائق التي توصف بالصعبة.وإذا ما تمسكت إيران بالموقف الذي أعلن عنه المرشد الأعلى علي خامئني في الخطاب الذي ألقاه في الثالث والعشرين من الشهر الماضي فإن الاتفاق لن يرى النور، فالخطوط الحمراء التي حددها علي خامئني تنص على أنه لن يسمح للمفتشين الدوليين الوصول إلى المواقع العسكرية ولن يرضى بأن تكون القيود المفروضة على البرنامج تمتد لعشر سنوات وأن على الغرب رفع العقوبات بالتزامن مع توقيع الاتفاق النهائي. غير أن قراءة الغرب مختلفة، فالولايات المتحدة التي يقودها رئيس يرغب وبشدة في التوصل إلى اتفاق تفهم جيدا أن حاجة إيران لاتفاق لا تقل عن حاجة الغرب وذلك لأن إيران عانت وما زالت من شدة وطأة العقوبات وأن هناك ما بين 100 إلى 150 مليار دولار ستحصل عليها إيران بموجب رفع العقوبات، وهو مبلغ يسيل له لعاب الإيرانيين ولا يمكن طرحة جانبا لصالح مواقف إيدولوجية لن تجدي نفعا في نهاية المطاف، ودعوة على خامئني إلى تبني "اقتصاد المقاومة" ربما لن تقدم الحلول لاقتصاد يتهاوى في حال استمرت العقوبات.لكن حتى لو فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق في الموعد المحدد فإن هذا لا يعني انتهاء المحاولات لأن الغرب ما زال ينظر إلى جوهر الاتفاق وليس التوقيت كهدف نهائي. وفي سياق متصل هناك دوائر أمريكية ترى بأن الطرفين سيوقعان على صفقة في نهاية المطاف وأن الجانب الأمريكي يجب أن يفكر في إيران كدولة إقليمية صاحبة تأثير قوي ربما من صالح الولايات المتحدة التقارب معها، فبإمكان واشنطن في هذه الحالة – كما ترى هذه الدوائر – أن تستغل الاتفاق والانفتاح على إيران لمساعدة المعتدلين في المشاركة في السلطة وبالتالي تغيير سلوك إيران بما لا يعارض مصالح أمريكا في الإقليم. ولا يرى أصحاب هذا الرأي ضيرا في التحالف مع إيران لأن ذلك لن يكون على حساب الحلفاء العرب الذين فقدوا الثقة بالرئيس الأمريكي الذي مارس سياسة في الشرق الاوسط ساهمت في تمكين الأطراف التي تقف خلفها إيران. وهناك من يطرح أن تجري أمريكا ترتيبات مع الدول الخليجية على غرار الترتيبات الموجودة في اليابان من أجل ردع إيران في المستقبل وحتى لا تثير حفيظة الدول العربية التي قد تفكر في خيارات أخرى ستجد واشنطن عندئذ من الصعوبة بمكان التعامل معها بفاعلية. لكن هذه الدوائر لا تجيب على سؤال آخر متعلق بأن الاتفاق سينقذ إيران المتشددة من أزمات عميقة ستعصف بالمجتمع الإيراني نتيجة قسوة العقوبات، فالاتفاق الذي يرفع العقوبات عن إيران ويضع بين ايديها أكثر من مائة مليار دولار سيعني ربما إلى تفسير مختلف في إيران وهو أن الجناح المتشدد نجح في اخراج البلاد من الأزمة وأن المواجهة وليس المهادنة هي المقاربة الأنجح في التعامل مع الملفات الإقليمية. وهذا بدوره يطرح سؤالا مختلفا على الجانب العربي الذي يشعر بأن إيران ما زالت تعلب دورا سلبيا في الاقليم وأن إيران المنتشية باتفاق قد تفكر في توظيف جزء كبير من المليارات التي ستحصل عليها من أجل خلق الاستقطابات الاقليمية وتمكين حلفائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. لغاية هذه اللحظة من الصعب على المراقب أن يتحدث عن استراتيجية عربية للتعامل مع إيران بعد توقيع الاتفاق، فما زالت ردات الفعل بدلا عن امتلاك زمام المبادرة هي ما يميز السياسات العربية بالمجمل وهذا ما مكّن إيران وأمريكا من المضي في مفاوضات دون تأثير كبير من العرب. حان الوقت ليفكر العرب في استراتيجية التعامل مع إيران في حال التوصل إلى اتفاق بين إيران والدول الكبرى أو في حال الفشل في اتمام الاتفاق، فما زالت كل من إيران والولايات المتحدة تتحدث عن ضرورة التوصل إلى اتفاق جيد مع أن كل طرف يعني بالاتفاق الجيد شيء مختلف وربما متعارض. في ظل ذلك ينبغي على العرب الانتباه إلى جوهر الاتفاق في حال إتمامه وكيف سينعكس ذلك على سياسة التحالفات الإقليمية القادمة وعلى قدرة العرب على بناء منظومة أمنية إقليمية لا تسمح لأحد بالتنمر والاستقواء.