03 نوفمبر 2025

تسجيل

حسن الظن بالله

12 يوليو 2014

يجب على كل امرئٍ مسلم، وَكِلَ أمره إلى الله تعالى، وجعل الله وكيلاً عليه، (وكفى بالله وكيلاً) كما قال سبحانه، وكما أمر بذلك فقال عز وجل:( ألا تتخذوا من دوني وكيلاً)، وكانت نتيجة تلك الوِكالة أو ذلك التُّكلان، أن يقول بقلبه قبل لسانه: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، وهذا هو قول الأنبياء والصالحين،(قالها إبراهيم عليه الصلاة السلام، حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلام، عندما قال له الناس: إنّ الناسَ قد جمعوا لكم) كما جاء في الحديث.وجب عليه بعد ذلك كله، أن يُحسن الظن بالله، وأن يكون على ثقة تامة بفضله ورحمته ونصره، في كل أموره، وجميع شؤونه، المتعلقة في الدنيا وكذلك في الآخرة. يا ويحنا، أفلا نقرأ قول المولى تبارك وتعالى:( أليس الله بكافٍ عبده)، بلى وربِّ العباد، قال الشاعر:أحْسِن الظنّ بمن قد عَوَّدَك كلَّ إحسانٍ وسوَّى أَوَدَكْإنّ رباً كان يكفيك الذي كان بالأمسِ سيكفيكَ غَدَكواقرأ وتأمل جيداً قول الله تعالى في الحديث القدسي، الذي جاء في صحيح البخاري:(أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ، ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليّ شبراً، تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرَّب إليّ ذراعاً، تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولةً).ومعنى قوله جل وعلا:( أنا عند ظن عبدي بي)، أي إذا ظن العبد بالله الخير- الظن هنا بمعنى اليقين والعلم- وأن الله سيرحمه وسيرزقه وسيغفر له، وأنه تعالى يقبل أعماله الصالحة، ويثيبه عليها، ويقبل أيضاً توبته، ويجيب دعوته، فإن ذلك كله له من الله؛ بسبب حسن ظنه هذا، وإن ظن أن الله لا يفعل به ذلك، فسيكون له ظنه هذا. تتجلّى في هذا الحديث قيمة إحسان الظن بالله، وأنها في غاية الأهمية والخطورة، قال عليه الصلاة والسلام:( لا يموتنّ أحدكم، إلا وهو يحسن الظن بالله)، ويستفاد منه تغليب جانب الرجاء على جانب الخوف، وهذا بالتأكيد يكون مع ذكر الله، والتقرب إليه بفعل الطاعات؛ لذلك ورد ذكرهما في بقية الحديث، إشارة إلى ضرورة اقترانهما مع حسن الظن بالله، إذ بدونهما يستحيل حسن الظن، إلى عجز وجهل، وغرورٍ محض.وقوله تعالى:(وأنا معه إذا ذكرني)، أي معه في هدايتي ورعايتي، وتوفيقي ورحمتي، فهي معية خاصة، غير المعية العامة، التي تعني العلم والإحاطة، كما قي قوله جل وعلا:( وهو معكم أين ما كنتم)، ويستفاد من قوله تعالى:(وأنا معه إذا ذكرني)، وما ذكر بعده في الحديث، من تقرب الله إلى من يتقرب إليه شبراً بذراع، وذراعاً بباع- الباع هو طول ذراعيّ الإنسان وعضديه وعرض صدره- بيان سعة كرم الله، وفضله العظيم، ويستفاد منه أيضاً بيان فضل ذكر الله، ومنزلة العابدين عند ربهم، وقربهم منه تعالى.وفي قوله عز وجل:(وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة)، مجاز بالاستعارة، معناه أن من تقرب إلى الله بعمل قليل أو على إبطاء، وهو ما استعير له لفظة (يمشي)، جازاه الله بثوابٍ كثير وعلى وجه السرعة، واستعير لهذا ( الهرولة).وأضيف إلى هذا الحديث القدسي الشريف، حديثاً قدسياً آخر، تظهر فيه رحمة الله وعفوه، بأجلى مظاهرها، لا يدع للمرء العاقل مفراً ولا وَزَراً إلا إلى الله، ولا مجالاً ولا حالاً إلا إحسان الظن به تعالى، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( قال الله: يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنانَ السماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة).فهل يجوز لأحدٍ بعد قراءة هذين الحديثين القدسيين، أن تسوّل له نفسه والشيطان، غير حسن الظن بالله والثقة بما عنده؟!.أذكر من أمثلة حسن الظن بالله، ما جاء عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وهو قوله:(أنا لا أحمل همّ الإجابة، ولكن أحمل همّ الدعاء، فمن ألهم الدعاء، فإن الإجابة معه).وقول بعض السلف:(إنّ أحسن ما أكون ظناً، حين يقول الخادم: ليس في البيت قفيزٌ- مكيال- من قمحٍ ولا درهمٌ).قال الشاعر:وكن واثقاً بالله في كل حادثٍ يصُنْكَ مدى الأيام من شر حاشدِوبالله اعتصم، ولا ترجُ غيرهُ ولا تكُ في النعماءِ عنه بجاحدِوأنشدوا مع الشاعر الذي قال، وهو محمد بن وهيب، شاعرٌ عباسيّ، ولله ما أجملَ قوله وأبدعه!وإنّي لأرجو اللهَ حتى كأنني أرى بجميل الظنِ ما اللهُ صانعُ