08 نوفمبر 2025

تسجيل

الإنسان بين الخرافة والعلم

12 يوليو 2013

يدرك الذين يستمتعون بقراءة حكاياتنا الشعبية العربية أنهم أمام كنوز ثمينة، يظل لها سحرها المتجدد ورونقها الأصيل، رغم مرور مئات السنوات على رواية أحداثها ووقائعها، ومن هذه الحكايات الشعبية سيرة الأميرة ذات الهمة، وسيرة سيف بن ذي يزن، وحكاية الزير سالم، وحمزة البهلوان، وحكايات ألف ليلة وليلة التي انبهر بسحرها أدباء وشعراء عالميون، وتجلى هذا واضحا فيما كتبوه وأبدعوه من الروايات والمسرحيات والقصائد، التي تشي بهذا الانبهار. تتردد في تلك الحكايات بصورة عامة وفي ألف ليلة وليلة بشكل خاص وقائع ومشاهد الخوارق العجيبة والأمور الغريبة، ورغم أن عقولنا البشرية الآن تعرف أن هذه الوقائع والمشاهد أشبه بالأحلام التي لا تتجسد واقعا أبدا، إلا أنها في الوقت نفسه تثري الخيال وتضفي على الروح متعة ما بعدها متعة. ومن وقائع ومشاهد الخوارق العجيبة والأمور الغريبة صورة القمقم الذي يتيح لمن يعرف أسراره أن يستدعي العفريت بسهولة حيث يقف أمامه طائعا وهو يقول: شبيك لبيك.. عبدك بين إيديك، وصورة القضيب المنقوش بالطلاسم والذي أدرك الصائغ حسن البصري أسراره في ألف ليلة وليلة، فعندما وقع في مأزق من المآزق الصعبة التي تعرض لها، قام بضرب الأرض بذلك القضيب... وإذا بالأرض تنشق ويخرج منها سبعة عفاريت، كل عفريت منهم رجلاه في تخوم الأرض ورأسه في السحاب، فقبلوا الأرض بين يدي حسن البصري ثلاث مرات وقالوا كلهم بلسان واحد: لبيك يا سيدنا، بأي شيء تأمرنا، إن شئت نيبس لك البحار وننقل لك الجبال من أماكنها.. وبالطبع فإن حسن البصري لم يطلب غير إخراجه من مأزقه الصعب. في كثير من الأحيان يخيل لي أن هذا العفريت هو نفسه العلم الذي توصل إليه الإنسان عبر رحلة الإنسانية نحو الارتقاء والاستكشاف، فالعلم – بمختلف فروعه وميادينه- هو الذي حقق وما يزال يحقق للإنسانية أشياء عجيبة، لم يكن القدامى من البشر يستطيعون أن يتصوروا أنها يمكن أن تحدث. ومثلما كان العفريت يتحول إلى أداة للشر إذا كان من يتحكم في القمقم إنسانا شريرا، أو يصبح أداة للخير إذا كان من يتحكم فيه إنسانا طيبا محبا للخير، فكذلك العلم فهو- في حد ذاته- أداة محايدة، ومن هنا يستطيع من يتحكم فيه أن يوجهه إلى ما ينفع أو إلى ما يضر، ولعلنا نتذكر في هذا السياق عذاب الضمير الذي ظل يلاحق ألفريد نوبل عندما اخترع البارود فأصبح قتل الإنسان لسواه أسهل بكثير، ولعلنا نتذكر كذلك أن الطيار الأمريكي الذي ألقى القنبلة الذرية فوق هيروشيما اليابانية يوم 6 أغسطس سنة 1945 قد أصيب بالجنون من هول وبشاعة ما شاهده من الدمار الذي لحق بتلك المدينة، وفي المقابل فإننا نستطيع أن نرصد المنجزات العلمية العديدة التي أسهمت في خير البشرية وفائدتها. وقد يتحول التقدم العلمي إلى أداة من أدوات العبودية أو إلى مشعل ضخم ينير للبشرية طريقها في سعيها نحو الحرية، والأمر في الحالتين يتوقف على الإنسان الذي يحمل بين ضلوعه وفي ثنايا عقله خيرا أو شرا، محبة للآخرين أو رغبة في إذلالهم والسطو على ما يملكونه من خيرات وثروات، لأن العلم في حد ذاته ليس سوى أداة محايدة. لا يستطيع الضعفاء أن يصونوا حقوقهم المادية والمعنوية إلا إذا امتلكوا العلم الذي يحميهم من طيش وبطش الأقوياء إذا تجبروا عليهم، فلو أن الهنود الحمر في الأمريكتين الشمالية والجنوبية كانوا يمتلكون أسلحة متطورة لما تمكن المستعمرون الأوروبيون أن يبيدوهم إبادة شاملة، وأن يحتلوا أرض بلادهم وبلاد آبائهم وأجدادهم، ولهذا فإننا- نحن العرب- لن نستطيع أن نحقق ما نتمناه لمجتمعاتنا إلا إذا خرجنا جميعا من كهوف الخرافة، وحاولنا أن نكون أقوياء بسلاح العلم، وعلينا أن نتذكر - أولا وأخيرا- أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف!  حاشية: لا يستطيع الإنسان أن يتنازل عما في حوزته لسواه إلا إذا كان يتمتع بحس إنساني نبيل وجميل، وهذا ما فعله الصديق الرقيق صالح غريب رئيس القسم الثقافي في الشرق، حيث تخلى عن كتابة عموده الشهير- مراويس- في موعده المحدد، لكي ينشر مكانه عمود مرايا الروح الذي كانت الإعلانات قد باعدت بينه وبين موعد نشره، وتبقى تحية الشكر واجبة لصالح غريب الذي آثرني على نفسه.