13 سبتمبر 2025

تسجيل

معنويات بشار أهم من مصير شعبه

12 يوليو 2012

من المضحكات المبكيات في سوريا ما أعلنته دمشق الأسبوع الماضي عن تنفيذ القوات المسلحة مناورات عسكرية هي الأضخم منذ 20 عاما، وكأن سوريا تقول للعالم إن الثورة الدائرة بداخلها لا تثنيها عن القيام بواجبات الدفاع عن إلا من القومي وتوجيه رسالة قوية إلى الثوار والغرب وإسرائيل . وكان من الطبيعي أن يعلق الإسرائيليون على هذه المناورات التى لم يعتادوا عليها من الجانب السوري، متخيلين بشار الأسد يخرج لهم لسانه ليحذرهم من أنه إذا ما سقط نظامه ، فإن إسرائيل سوف تعاني الأمرين. ويحاول الأسد تصوير الموقف للأمريكان والإسرائيليين والغرب على أنه هو الوحيد القادر على حماية إسرائيل بتوفير الأمان للجولان وعدم إخضاعها لأي نوع من المعارك أو الحروب.. أما إذا انتصرت المعارضة فإن أول شيء ستفعله هو حشد الجيش والشعب من أجل تحرير مرتفعات الجولان المحتلة، وبالتالي تتذوق إسرائيل طعم المرارة ولتشعر بالندم لعدم حماية نظام الأسد في مواجهة المعارضة. ويبدو أن وجهة نظر الأسد هي الأكثر ميلا للتصديق، بدليل أنه حتى الأن ترفض الولايات المتحدة تمويل المعارضة السورية وإمدادها بالسلاح لتمكينها من مواجهة الآلة العسكرية السورية الضخمة بالجيش المدجج بالسلاح والذي يقتل العشرات والمئات كل يوم. وقد كان الأسبوع المنصرم هو أسبوع النكات بحق في سوريا، فالاعلام الرسمي اسهب في وصف تلك المناورات وكأن الجيش السوري قد دخل معركة حقيقية في مواجهة إسرائيل لتحرير الجولان. وتحدثت البيانات العسكرية عن تنفيذ المناورات العسكرية بكفاءة عالية. نأتي للهدف الثاني من الأكاذيب السورية وهو توجيه رسالة للجميع بأن الجيش ملتف خلف نظامه وقادته وأن الحديث عن انشقاق ضابط أو أي شيء من هذا القبيل لا يعني وجود حركة انشقاق أو تمرد داخل الجيش ، وأن معنويات كل الجنود والضباط مرتفعة وأن هؤلاء لا يتأثرون بما يجري على الساحة الداخلية من قلاقل.. ومن الرسائل المهمة ما ردده الإعلام السوري بكثرة خلال فترة المناورات – 3 أيام – بأن " سوريا جاهزة لتكون مقبرة الغزاة". ونأتي للرسالة السياسية التي أرادت دمشق بعثها للقوى الإقليمية والعالمية وهي التأكيد على أن الورقة السورية ورقة قوية خاصة إذا قرأنا قراءة المشهد الإقليمي كاملا، أي مقارنة حجم المناورات السورية الحاصلة مع مناورات "الأسد المتأهب" في الأردن و"نسر الأناضول" في تركيا، ومناورات "الرسول الأعظم" في إيران.. وتصف الروايات السورية المناورتين الأردنية والتركية بأنهما مناورات الحلف المعادي لسوريا وأنهما  مناورتين ضعيفتين، بينما نفذ الحلف (السوري – الإيراني)  مناورات أضخم بكثير، مما يعني أن القدرات الدفاعية لسوريا أعلى كثيرا من القدرات الهجومية للخصم. وطبيعي ألا يقترب الإعلام السوري من قول حقيقة إجراء هذه المناورات الوهمية ، لأنها لا تتعدى فكرة رفع معنويات ممن بقي في الجيش ومؤيديه في الداخل بعدما انهارت تماما. كما أن نظام بشار الأسد يوحي للغرب بأنه مستعد عسكريا لمواجهة ما قد يفكر فيه الغرب من تدخل عن طريق حلف الناتو  . نأتي للشق الثاني من الموضوع ويتعلق بالجيش السوري أيضا، ولكن اللافت فيه أن موسكو هذه ورغم وقوفها سياسيا مع بشار الأسد على طول الخط منذ بداية الأزمة السورية ومناصرتها له والدفاع عنه وتحارب كل من يقترب منه أو يدعو لعزله أو تركه منصبه.. فهي أعلنت وبدون سابق إنذار أنها  لن تسلم مقاتلات أو أي أسلحة جديدة أخرى لسوريا، ما دام الوضع هناك دون حل وغير مستقر. وبهذا تكون موسكو قامت بإجرأ خطوة من جانبها  لتنأى بنفسها عن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي دافعت عنه في الأمم المتحدة وحمته من عقوبات أشد يفرضها مجلس الأمن الدولي. وفي تطور لافت أيضا يدل على تغير في مواقف روسيا التى ساندت نظام دمشق منذ بداية الأزمة استقبلت ممثلين عن المعارضة السورية، في إطار خطتها الجديدة لإقناع العالم بأنها تقف إلى جانب الحل السلمي وليس التدخل الأجنبي أو إنها ليست ضد البحث عن حلول مرضية للأزمة ولكن بشرط عدم الإطاحة بحليفها الاستراتيجي بشار الأسد.. وذلك تجنبا لتكرار سيناريو ليبيا البغيض بالنسبة لموسكو عندما تركت  صواريخ الناتو تقتل حليفها معمر القذافي في نهاية مأساوية. وقد أرادت روسيا بهذا التصرف أن تقول للغرب الذي يطالبها دوما بالتخلي عن موقفها المؤيد للرئيس السوري ، بأنها تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف السورية، ويكفي موقفها من مسألة بيع أسلحة استراتيجية ومقاتلات حربية، وأن ما تطلبه موسكو هو تطبيق اتفاق جنيف الخاص بخطة الانتقال السياسي في سوريا التي اقترحها المبعوث العربي - الدولي كوفي أنان في اجتماع جنيف ، وأن بعض القوى الغربية تحاول تحريف هذا الاتفاق رغم أن صيغته كانت مقبولة من قبل الجميع. ويبدو أن الموقف الروسي المؤيد لاتفاق جنيف جاء تحديدا بعد ترحيب دمشق به نظرا لأنه يضم أكثر من نقطة في مصلحة النظام السوري مثل نزع سلاح المجموعات المسلحة وعدم عسكرة الوضع في سوريا، وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية يقودها السوريون ليكون القرار سوريا. ثم إن الاتفاق يتبنى حلا سياسيا مع الالتزام بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة أراضي سوريا، ووضع حد للعنف ولانتهاكات حقوق الإنسان، والبند الأخير لم ترض عنه دمشق تماما ولكنها اعتبرته موجها للنظام والمعارضة معا، حيث تزعم دمشق أن قوى المعارضة تقوم بانتهاكات ضد حقوق الإنسان. و سرعان ما تنقلب موسكو إذا تعلق الموقف باسم بشار الأسد ، فهي تعترض على توصية لمؤتمر يكون ضد حليفها الأسد.. وهنا اعترضت المعارضة بشدة على موقف موسكو من بشار حتى أن الوفد الذي استضافته موسكو أبلغها رسميا ضرورة أن تفهم أن مصير سوريا الدولة يجب أن يكون أهم لدى موسكو من مصير بشار .. وأن الحل السياسي في سوريا يبدأ بإسقاط النظام ممثلا في بشار الأسد ورموز السلطة، وضمان محاسبة المتورطين منهم في قتل السوريين، وضرورة إقامة سوريا جديدة تحكم كنظام جمهوري ديمقراطي مدني تعددي وتطبيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد، وإصلاح سياسات الضرائب، وحماية الاستثمارات، ونظام اقتصادي يمنع الاحتكار. تطور أخير ربما ينم عن رغبة دولية في حث النظام السوري على سرعة إنهاء الأزمة الإنسانية الطاحنة، ولكن هذه المرة عن طريق الحليف الاسترايتجي لسوريا ونقصد إيران.. فكوفي أنان رأى في طهران خير معين للضغط على دمشق للقبول بمطالب المعارضة. والمشكلة في مهمة المبعوث الدولي أن المعارضة السورية لم تعد ترى فيها نفعا ، وأن المهم الآن هو التحرك العسكري تحت الفصل السابع، إذ لم يعد من الممكن إعطاء النظام السوري المهلة تلو الأخرى. لقد بات التشاؤم سيد الموقف في أوساط السوريين، فهم لا يتفاءلون بأي مساع دولية ، ويعتقدون فقط أن أملهم لن يأتي سوى بمحاربة النظام على الأرض ولم تعد لديهم أوهام تجاه الحلول السياسية في ظل تعنت النظام ، فحسم المعركة بأيدي الثوار، هو الطريق الصحيح لتغيير ميزان القوى ميدانيا .