11 سبتمبر 2025
تسجيلتكتب المرأة بمساحيق تنظيفها وأدوات مطبخها، ربّما تنزل دمعة من عينيها وتستقرّ في الطبخة، فتستغني حينذاك عن الملح، أو تسقط بسمة من شفتيها فتستغني عن السكر، وربّما ترفُّ يمامة من قلبها فتستغني عن ساحب الهواء، وربّما تأخذها فكرة ما فتحرق الطعام الذي أعدّته في ساعات طوال لتمضغه الأسرة في ربع ساعة، فتجتهد من جديد، وتتودّد بعدها إلى بياض الورقة بمزاج مستهلك. يكتب (هو) بكامل أناقته وربطة عنقه، أو (بيجاما) رياضته، بعطرٍ فوّاح حوله وحواليه، يأتيه فنجان ساخن يُوضع على مكتبه بهدوء شديد، عالمه مقدّس ومُخدّم؛ يُشير الى الورقة فتتقدم إلى أصابعه معلنةً طاعتها واضعةً بياضها تحت تصرفه، مستكينةً وديعةً تعودت أوامره، وتعوّد الرفق بها أحياناً، ورميها في سلة المهملات أحايين أُخَر، ترفُّ غمزةٌ من عينيه فتأتيه كلّ أسراب الفراشات، تأخذه فكرة ما، فتحترق الورقه بنار انتظارها مهمَلة على المكتب، مثقَلة بكل ما خطّ عليها إلى أن يعود، ولا يعود إلاّ في وقتٍ ومزاج متأخرين. هل الكتابة حالة ترف؟! هل هي حالة ولادة كما يوصّفون؟! في الولادة خوف من الموت، في الكتابة خوف على البقاء، في الولادة طفل صغير تُسيطر على تربيته وطرائق تفكيره، وفي الكتابة شاب حيوي يخرج إلى الحياة بكامل صخبه وعنفوانه، ولو تسنّى لأحدهم أن يراه خارجاً من عزلة الكاتبة لقال ما قال. لماذا تُحصَر الكاتبة في سجن من خيال الآخرين؟! فإذا ما كتبت عن سارقة تُصبح مطلوبة للعدالة، أو عن غنيّة تُصبح أوناسيسة، أو عن فقيرة تصبح بائعة الكبريت، أمّا عن الحب، يا ذا الملاحة؛ فالقارئ ينشر كلّ جواسيسه للتلصّص من ثقوب حروفها على صاحب الترف العظيم. لكنّ الرجل عندما يكتب عن سارق يصبح قاضياً عادلاً، أو عن غنيّ يصبح داعية ليبراليا، أو عن فقير يصبح "كالفين"، أو عن جاسوس يصبح رأفت الهجان، أما عن الحب فما عليك سوى أن تسأل نزار قباني.