14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); "أحترم إرادة الشعب ونتائج الانتخابات"، هكذا صرح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة فقدان حزبه الأغلبية في البرلمان التركي، ولم يتوقف الأمر عند احترام إرادة الشعب بل زاد على ذلك عندما قال بأنهم في حزب التنمية والعدالة سيدرسون إخفاقاتهم ويعملون على استعادة ثقة الناخب التركي. وبهذا المعنى يفهم أحمد داود أوغلو جيدا أن دوام الحال من المحال وأن أي حزب لابد له أن يتعرض إلى انتكاسات انتخابية لكنها ليست نهاية المطاف، فالنظام الديمقراطي المتجذر في تركيا ولّد ثقافة سياسية تحترم نتائج الانتخابات وهذا هو الدرس الأهم الذي علينا أن نستخلصه من الانتخابات الأخيرة.على الجانب العربي لا يبدو أننا نستوعب معنى الانتخابات، فقد هلل البعض لخسارة حزب التنمية والعدالة لأغلبيته البرلمانية وكأن ذلك نصر لهذا الطرف العربي أو ذاك في حين فسّر البعض الآخر نتائج الانتخابات وكأنها أيضا استفتاء على علاقات تركيا الإقليمية ما يعني في نهاية الأمر انتصار هذا المحور العربي أو ذلك! والقضية في واقع الأمر هي أعقد من ذلك، وربما هذه فرصة للعودة إلى كتابات موريس دوفرجيه (عالم السياسة الفرنسي والذي يعد أهم من كتب عن الأحزاب السياسية) ومقولته بأنه لا يمكن لأي حزب أن يفوز في الانتخابات لمدة طويلة، وبهذا المعنى فإن المبدأ الأساسي في الحكم الديمقراطي ليست هيمنة حزب معين على السياسة وإنما تداول السلطة، أي أن يكون حزب ما في الحكم أحيانا وفي المعارضة أحيانا أخرى.فحزب التنمية والعدالة لم يخسر الانتخابات وإنما لم يحصل على مقاعده كافية لتشكيل الحكومة بمفرده ما يعني أننا أمام لعبة الائتلافات الحكومية وهو أمر مألوف في مجتمعات تعاني من الاستقطاب حول قضايا داخلية وربما خارجية في بعض الأحيان، ولعل تركيا عانت من ذلك في السنوات الأخيرة. غير أنه من الجدير بالذكر أن نلفت الانتباه إلى أن مسعى الرئيس رجب طيب أردوغان لتحويل النظام السياسي في تركيا إلى نظام رئاسي أصيب بانتكاسة، فالناخب التركي قرر دعم حزب التنمية والعدالة ولكن ليس توجهات تحويل تركيا إلى نظام رئاسي، وهنا درس آخر في فهم تحديد سلوك الناخب بشكل عام.وعودة إلى البداية، نقول إن المسألة الأهم والتي قدم فيها الشعب التركي نموذجا رائعا هي احترام الصناديق لا الانقلاب عليها كما تم في بعض الدول العربية التي حاولت خلق وهم الديمقراطية في حين تمارس نخبها شتى أصناف التسلط والاستبداد، ولا يبدو أن الثقافة السياسية السائدة في تركيا تسمح لأي كان أن يفكر بالانقلاب على نتائج الصناديق، فالحزب الذي يخسر يعود لاكتشاف مواطن الضعف والتقصير والعمل عليها استعدادا لجولة انتخابية قادمة سواء كانت انتخابات مبكرة أو انتخابات تجري في موعدها الطبيعي.وحتى لا نظلم التجارب العربية أذكر أمرين: أولا، أثبتت التجربة التونسية بأن إرادة الشعب هي الفيصل إذ شهدنا انتخابات فاز فيها حزب النهضة وانتخابات أخرى خسر فيها حزب النهضة وفي الحالتين تم تداول السلطة سلميا وتم احترام نتائج الصناديق. ثانيا، لا يمكن مقارنة التجربة التركية بنظيراتها العربية لأن تركيا سارت على مسار ديمقراطي ممتد على مدار عقود طويلة وإن عانى بعض الخلل إلا أنه نضج لدرجة سمحت بتداول السلطة سلميا ولا تسمح بالانقلاب على نتائج الصناديق. طبعا هناك حالات تدخل بها الجيش لإعادة الأمور إلى المسار الذي يحترم قيّم العلمانية لكن أي الجيش لم يستلم السلطة ولم يشرف على انتخابات شكلية لضمان حكم العسكر كما حصل في بعض البلدان وعلى رأسها مصر التي ينقسم فيها المصريون إلى معسكرين واحد يعتبر أن ما جرى انقلاب عسكري والآخر يرى أن ما جري نتيجة عملية ديمقراطية.والدرس الآخر هو أن الحزب الذي يخسر الانتخابات له فرصة العودة والنهوض مرة أخرى من انتكاسته في حين أنه في بعض الأحيان تتم شيطنة الخاسر وربما تجريمه. ولا تنفرد تركيا بهذا الأمر، ففي كل البلدان الديمقراطية الحقيقية تنتقل الأحزاب من الحكم إلى المعارضة وبالعكس. وتابعنا ردود الفعل التي جاءت من ناشطين محسوبين على حزب التنمية والعدالة والتي اعتبرت أن الأمر يحتاج إلى إجراء مراجعات.النقطة الأخيرة التي تلفت النظر هو حجم الاهتمام الإقليمي والدولي بالانتخابات التركية، فقد حظيت الانتخابات باهتمام بالغ وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على تزايد أهمية تركيا في الإقليم وأنه بات ينظر إليها كدولة تقع على عاتقها مسؤولية إقليمية دشنها حزب التنمية والعدالة عدما أعاد توجيه سياسة تركيا الخارجية إلى العمق الطبيعي لتركيا وهو الشرق الأوسط وليس أوروبا على أهمية الأخيرة في الإستراتيجية التركية العابرة للأحزاب والحكومات. وبهذا المعنى لم تعد الانتخابات التركية شأنا تركيا داخليا فقط وإنما انتخابات يترتب على نتائجها شكل الدور التركي في الشرق الأوسط في وقت بات الكثير من أبناء المنطقة يتطلعون إلى دور إيجابي وبناء تنحاز فيه تركيا إلى مساعي الشعوب في التحرر والديمقراطية، وحتى تتمكن تركيا من القيام بكل ذلك عليها أن تكون ديمقراطية تعددية لا تسمح بأي نزعات استبدادية لأي من النخب السياسية سواء في الحكم أو المعارضة.