16 سبتمبر 2025
تسجيلمن البديهي أن الكبار هم الذين يختارون للصغار أسماءهم حين يولدون، ولأن أذواقنا مختلفة فإن من الكبار من يختارون لأبنائهم أسماء عجيبة أو غريبة أو تجعلنا مندهشين ونحن نتساءل عن معاني تلك الأسماء. حين أنجبت الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة ابنها البكر والوحيد اختارت أن تسميه: البراق، ولو أردنا أن نعرف سر تلك التسمية فلا بد أن نتذكر أن نازك الملائكة كانت تعشق صوت أسمهان، خصوصا وهي تغني قصيدة مؤثرة، مطلعها : ليت للبراق عينا فترى- ما ألاقيه من بلاء وعنا... أما ما يعنيني هنا فهو اسم غيلان، فهو اسم غير شائع في أرضنا العربية بصورة عامة، ومع هذا فإن الشاعر الرائد الكبير بدر شاكر السياب قد سمى ابنه هذا الاسم غير الشائع، من فرط إعجابه بالشاعر الأموي الرائع غيلان الذي رسم في قصائده لوحات فنية موحية ومدهشة. نعرف أن بدر شاكر السياب قد رحل عن عالمنا يوم 24 ديسمبر سنة 1964 وقد تنبهت أوساط ومؤسسات ثقافية عربية إلى أن هذه السنة-2014 – تمثل ذكرى مرور نصف قرن على ذلك الرحيل الفاجع، ومن هذا المنطلق أقام اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ندوة مهمة:، كان المحاضر الأساسي فيها الشاعر الكبير فاروق شوشة، كما استضاف الاتحاد غيلان ابن الشاعر الرائد الكبير، والذي كان في السابعة من عمره حين ودع والده دنيانا، بينما كان فاروق شوشة أثناء عمله بالكويت يلتقي مع السياب بانتظام خلال الأشهر التي سبقت رحيله، ومن هنا كان فاروق شوشة متأثرا أعمق التأثر وهو يلتقي بغيلان خلال الندوة التي جمعت بينهما في الإمارات، وقد كتب عن هذا اللقاء وتلك الندوة مقالا متميزا وفياضا بالروح الإنسانية الحقة، واختتمه قائلا:ولسوف تبقى القصيدة السيّابية، الغنية بعروبتها الأصيلة، البعيدة عن الهجنة والغرابة وشبهة الترجمة، وحسّها الوطنى والقومى والإنساني، علامة فارقة فى ديوان الشعر الحرّ أو الجديد كله، تحتلُّ منه موضع الصدارة والتفرُّد، وتحظى بالمكانة اللائقة بها، ريادة شجاعة، وإبداعًا دائم القدرة على التجدُّد والحياة.حين ولد غيلان بدر شاكر السياب يوم 23 نوفمبر 1957 فرح الشاعر الرائد الكبير بقدوم من سيحمل اسمه ويخلد ذكراه على الصعيد الإنساني، فكتب قصيدة مطولة، نشرتها مجلة الآداب البيروتية، وفيها يقول: يا سلم الدم والزمان من المياه إلى السماءغيلان يصعد فيه نحوي من تراب أبي وجديويداه تلتمسان ثم يدي وتحتضنان خديفأرى ابتدائي في انتهائي...إنها دورة الحياة.. شاعر رائد كبير لا تتيح الحياة له سوى أن يعيش أكثر من ثمان وثلاثين سنة، ومع هذا فإنه استطاع بعبقريته أن يخلف لجمهور الشعر العربي نتاجا شعريا بالغ الروعة، سنظل جميعا نتذوقه ونستمتع به، ونكاد نستمع عبر الآفاق البعيدة غير المرئية إلى صوته الواهن الحزين وهو يلقي بعض قصائده ولو بعد غياب خمسين سنة بالتمام والكمال، وبعد كل هذا الغياب يأتي الابن البار غيلان ليتحدث عن أبيه، بينما يضيف الشاعر الكبير فاروق شوشة ما أضافه من رصيد إنساني متجدد خلال ندوة الإمارات.