18 سبتمبر 2025
تسجيليعد السحور من العلامات الفاصلة والعبادات الفارقة بين صيام هذه الأمة وصيام أهل الكتاب، كما أخبرنا بذلك رسولنا الكريم، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (فصلُ ما بين صيامِنا وصيامِ أهلِ الكتاب: أَكلةُ السَّحر). ونزل الوحي بإباحة السحور كرامةً وميزةً لهذه الأمة، فقد كان المسلمون في أولِ تشريع الصيام في رمضان إذا جاء الليل يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا نام الصائم حَرُم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فكان هذا الأمر مما يشقُّ عليهم، وبقي الأمر على ذلك حتى وقعَتْ حادثةٌ لأحد الصحابة وهو قيسُ بن صِرمة الأنصاريُّ، يحكيها الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: (إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجلُ صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يُفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يُمسي، وإنَّ قيس بن صِرمةَ الأنصاريَّ كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال لها: أعندكِ طعامٌ؟ قالت: لا، ولكن أنطلقُ فأطلبُ لك، وكان يومَه يعمل، فغلَبَتْه عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبةً لك، فلما انتصف النهار غُشي عليه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ}... إلى قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. ففرحوا بها فرحًا شديدًا. فكانت هذه الحادثةُ تخفيفًا عن المسلمين؛ حيث أبيح لهم الأكلُ والشُّرب إلى الفجر الصادق، وهو وقتُ الأذان الثاني مِن الفجر وكان من رحمة الله تعالى بالأمة -مع هذا التخفيف عنهم بإباحة الأكل والشرب بالليل- أن شرَع لها أيضًا استحبابَ أكلة السَّحَر؛ فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسحَّروا؛ فإن في السحور بركةً). ويكون السحور بأي شيء يتناوله المسلم مِن مأكول ومشروب، ولو لم يجد إلا جَرعةَ ماءٍ، فإنه ينوي التسحُّر بها، والله يبارك له فيها، وأفضل السحور التسحُّر على التمر للحديث الصحيح: (نِعْمَ سَحورُ المؤمِنِ التمرُ). والبركة التي في السحور عدَّدها الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال: "البركة في السحور تحصل بجهاتٍ متعددة، وهي اتباع السنَّة، ومخالفة أهل الكتاب، والتَّقَوِّي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخُلق الذي يثيره الجوع والتسبب للذِّكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لِمَن أغفَلها قبل أن ينام". فاللهم ارزقنا هذه البركات كلها مجتمعة، وتقبَّل صيامَنا وقيامنا يا رب العالمين.