17 سبتمبر 2025

تسجيل

اليمن.. لا يليق به هذا الجنون

12 مايو 2014

يؤلمني أن تجتاح اليمن حالات من العنف وسفك الدماء على نحو ينبئ بغياب العقلانية في هذا البلد المعروف بحكمته على مدى التاريخ، فهل ثمة من يهمه استمرار الهلع وغياب السكينة وانتشار آلة القتل اليومي موجهة من أطراف بالداخل وبالخارج؟إن اليمن لا يليق به هذا الجنون، فهو وطن حضارة وشعبه يعكس الأصالة بكل تجلياتها، وبالتالي ما يتعرض له يخصم من رصيده الحضاري ويدفعه دفعا إلى الانخراط فيما يسمى بدائرة الدول الفاشلة والتي يبدو أن أعداد الأقطار العربية المرشحة لها آخذة في التزايد، سواء بقصد من نخبها السياسية أو دون قصد ما يجري في بلاد الحكمة يؤشر جملة من الظواهر الخطيرة. أولا: تفاقم حالة عدم التوافق بين مكونات الواقع اليمني رغم انتهاء الحوار الوطني وبلورته لقرارات حظيت بقدر من الرضا العام وذلك يعني أن ثمة من لا يعنيه دخول اليمن إلى خانة الاستقرار ليبدأ جهاده الحقيقي في عملية إعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة القائمة على الأساس الفيدرالي عبر ستة أقاليم تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي وفقا لخصوصية كل إقليم وبالتالي يدفع إلى إبقاء جذوة الخلافات والتباينات والتناقضات متقدة، لأن في ذلك تحقيقا لمصالحه والتي يأتي في مقدمتها تمهيد السبيل للسيطرة على مقدرات البلاد، ليس بوسعي أن أحدد يقينيا طبيعة هذه الدوائر التي لا ترغب في يمن قوي حديث صاعد ناهض، لكنها بكل تأكيد تنتمي إلى أعداء هذا الوطن، وهم كثر، وفي صدارتهم هذا التنظيم الهلامي المسمى بالقاعدة والذي يوظف بعضا من المظاهر السلبية كغياب التنمية والبطالة وحالة الفراغ السياسي في تجنيد الشباب وبعض أبناء القبائل تحت مزاعم دينية وسياسية مغلوطة ليحقق من ورائها رغبته في إشعال المنطقة بما يفتح الباب أمامه لإقامة ما يطلق عليه عبثا الحكم الإسلامي عبر مساحات الدم الواسعة التي ينشئها والتدمير الذي يطال البنى التحتية للبلاد والعباد.وفي هذا السياق فإن عناصر التنظيم تستهدف قوى الجيش واليمن ولا تتورع عن القيام بسلسلة من الاغتيالات لرموز سياسية وعسكرية وأمنية واستخباراتية، كان آخرها محاولة اغتيال اللواء الركن محمد ناصر أحمد وزير الدفاع الذي نجا من موت محقق في العاصمة صنعاء يوم الخميس الفائت وذلك نتيجة لقيادته شخصيا العمليات العسكرية ضد أوكار التنظيم في عدد من محافظات ومناطق الجنوب التي تحتضن عناصر التنظيم.ثانيا: ليس لدي شك في أن ثمة دوائر داخل السلطة اليمنية أو بالأحرى داخل التحالف الحاكم تعمل على تقويض التجربة من الداخل وتقدم المعلومات للمناوئين للنظام الجديد الذي نهض على أنقاض نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهو ما يجعل عملياتهم تنجح في الكثير من الأحيان عبر إصابة أهدافها.وفي هذا الصدد تقلقني أنباء غير مؤكدة عن تنسيق بين أنصاره وجماعة الحوثيين التي باتت تمارس دورا سلبيا لتقويض مقومات الدولة اليمنية سعيا لتحقيق مآربها في الانفصال بإقليمها – صعدة - على أسس مذهبية. ولو صح ذلك – أي تحالفها مع أنصار صالح - وتيقنت السلطة الجديدة منه فقد يشكل ذلك مبررا قويا لفض صيغة حكومة الوحدة الوطنية التي تحكم منذ نجاح المبادرة الخليجية في توفير مخرج آمن لليمن بكل قواه السياسية، بما في ذلك الرئيس السابق وحزبه وجماعته وقل دائرته الأمنية التي اتسمت بالتغلغل في مختلف مفاصل الدولة.ثالثا: صحيح أن محاربة الإرهاب باتت فريضة واجبة داخل اليمن، خاصة أنها تصدرت نتائج وقرارات معطيات مؤتمر الحوار الوطني وهو ما وفر للدولة اليمنية قدرة أفضل على إدارة عمليات ناجحة في الآونة الأخيرة على هذا الصعيد، متجليا ذلك في استعادة السيطرة على معاقل قوية لتنظيم القاعدة والقضاء على بعض رموزه القيادية، غير أن ذلك يستوجب حشدا وطنيا أشد متانة وأكثر فعالية على نحو يؤسس لمشروع متكامل لمحاربة التنظيم وحلفائه القبليين الذين يتسترون خلف شعاراته لتحقيق مآرب ذات طبيعة قبلية بالأساس تتعارض مع توجهات الدولة التي ترمي إلى تجاوز البعد القبلي الذي شكل على مدى العقود الستين المنصرمة رقما مهما فيمعادلة أزمات اليمن ولاشك أن المسيرات التي شهدتها صنعاء مؤخرا وغيرها من المدن تمثل بداية مهمة في هذا السبيل، بيد أن المطلوب أن تظهر مختلف القوى الوطنية الحديثة حرصها على محاربة الإرهاب وجماعاته المختلفة حتى ولو أخذت مسحة دينية أو قبلية أو مناطقية، ذلك أن تنظيم القاعدة يمتلك بعض المقومات التي تؤهله للاستمرار في محاربة الدولة بفعل قدرته على ممارسة لعبة التخفي في الحاضنة الاجتماعية – القبيلة – واستغلال وعورة المناطق التي تشكل معقلا له، فضلا عن وجود مؤشرات لتلقيه دعما لوجستيا متعدد المستويات من قوى وأطراف محلية وأجنبية وهو ما يجعل من مهمة استئصاله بالكامل - وفي فترة وجيزة – من الصعوبة بمكان وهو ما يستوجب من مؤسسات الدولة اللجوء إلى تفعيل آلية القانون، إلى جانب العمل العسكري، ليس فقط في مناطق وجود عناصر القاعدة، بل أيضاً في مختلف مناطق البلاد، أي أن عليها أن تسد كل المنافذ التي تختبر قوة الدولة وإرادتها باستمرار، وهي مهمة شاقة في ظل هشاشة الوضع السياسي وشحة الإمكانات والموارد ولكنها ستكون يسيرة إن سعت الحكومة إلى تنفيذ مشروعات تنمية حقيقية وجوهرية في مناطق التماس مع القاعدة وغيرها من القوى المناوئة يكون بمقدورها اجتذاب طاقات الشباب بدلا من أن يلجأ إلى التنظيم الذي يوفر له كل متطلبات الحياة.رابعا: لن يكون بمقدور الدولة اليمنية عبر مؤسستها العسكرية والأمنية بمفردها مواجهة هذا الإرهاب، فهي في حاجة إلى استمرار التدفق المساعداتي سواء الإقليمي أو الدولي. صحيح هو متاح بقدر، لكنه ليس على النحو المطلوب ورغم انعقاد عدة مؤتمرات كان آخرها مؤتمر أصدقاء اليمن في لندن في التاسع والعشرين من أبريل الماضي إلا أن الدعم المالي ما زال محدودا وما يتم الإعلان عنه عبر وسائل الإعلام لا يصل منه إلى صنعاء إلا النذر اليسير وهي سمة مؤتمرات المانحين الدوليين لمناطق الأزمات ومن ثم فإن دول مجلس التعاون الخليجي مطالبة بتكثيف تدفق إسنادها المالي والاقتصادي إلى جانب السياسي المتمثل في نجاح مبادرتها التي أسست الطريق لحل الأزمة التي اندلعت في 2011 كما أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مطالبان ليس فقط بتوفير المتطلبات العسكرية واللوجستية للجيش ولقوات الأمن وإنما الدفع بكل ثقلهما لبرنامج استثماري يسهم في نقل اليمن إلى خانة الدولة الحديثة.