13 سبتمبر 2025

تسجيل

الكلمة العبقرية

12 مايو 2014

تعرّف الكتابة بأنها " إعادة ترميز اللغة المنطوقة في شكل خطي على الورق، من خلال أشكال ترتبط ببعضها وفق نظام معروف اصطلح عليه أصحاب اللغة في وقت ما، بحيث يعد شكلا من هذه الأشكال مقابلا لصوت لغوي يدل عليه، وذلك بغرض نقل أفكار الكاتب وآرائه ومشاعره إلى الآخرين، بوصفهم الطرف الآخر لعملية الاتصال ".فالكاتب عندما يخوض تجربة الكتابة والتي تعد رابع فنون اللغة، فهو بذلك يترجم تصوراته الذهنية، وعالمه الذي في رأسه الذي قد ينطق بالعامية، أو لغة الإشارة، إلى صفحة محررة يقرؤها المتلقي، ويتداولها النقاد، وتعيش ما شاء الحرف أن يعيش. إنه بكل الضجيج الذي يعيشه، فهو يتمخض في مرحلة انتقالية، مرحلة ما قبل وجود النّص بترجمة الفكرة وشرحها وتبسيطها، لكي تنتقل بطريقة انسيابية من ذهنه إلى الصحف والمنشورات، بأسلوب لا يشعر المتلقي بغربة الفكرة التي انتقلت من رأس إلى آخر، أن ينشر فكرته في مدى الكلام بلغة بيضاء، لا تشوبها الغرابة ولا تسكنها الغربة، فكأن المتلقي حدّث نفسه، أو حاورها بنص آخر جاء من شخص آخر، إن طرفًا ثالثا عبّر عن فكرته وتحدث عن مخاوفه، ويشعر بشعوره وعلى ذلك، ترجمه إلى لغة الحرف والكلمة.ولأن اللغة ذكية في تكوينها، عميقة بمفرداتها ومرادفاتها، ثرية بصورها وتخيلاتها، فإنها دائمًا ما تنجو من أن تقع في الزلل، فلا يبدو النص غبيا مهما ضعف الكاتب، إنها ترتفع بفطنتها ودهائها تاركة الكاتب متورطا بفكرته التي ما أحسن صياغتها، أو ما وفق في اختيار الكلمة الصحيحة، ليقع في الحرج ويبدو جاهلا، قليل الفطنة، في ظرف نصٍ خُدع من قبل "كلمة".على الكاتب ألا يغفل أنه في مرحلة ما قبل وجود النص، فإنه يتحدث أي لهجة، فلك الكلمات الذي يدور في رأسه قد يكون حديث نفس، لغة شارع، مفردة شائنة ربما، يقظته يجب أن تتعاظم في البوابة ما بين ذهنه وورقة التحرير، ألا تنزلق كلمة ما وُجب لها الوجود في النص، إن الكلمة لن تبدو حمقاء أبدًا، حتى وإن تغافلته وعبرت، لأنها تعيش في قاموس اللغة، ولكنها بعبقريتها ستُظهر كاتبها أحمق. كما يجب عليه الإيمان بأن جلباب اللغة فضفاض واسع، يحوي لكل كلمة مرادفاتها وأضدادها، وأن البيان إعجاز، فالكاتب عندما يكتب، فإنه يزهو بجميل الكلام وحلو التعبير، وأنه سيختال من فكر متلقٍ إلى آخر، وأن مفردة شائنة وحيدة، قد تورده موردا شائنًا أيضًا لأجيال أخرى.