18 سبتمبر 2025
تسجيلما يميز الاقتصادات الخليجية عن غيرها من اقتصادات المنطقة أنها تنمو بصورة طبيعية بعيدا عن التشوهات والتغيرات الدراماتيكية والاضطرابات وعدم الاستقرار، يضاف إليها التطور السريع للبنية التشريعية والقانونية والتي تسير على نهج الاقتصادات المتقدمة لضمان حقوق العاملين والمستثمرين. مثل هذا النهج الاقتصادي الذي تتوفر له الظروف المناسبة والبنى الأساسية المتطورة لابد وأن تتمخض عنه نتائج إيجابية كثيرة، وذلك رغم أنه مازال في مرحلة النمو وبحاجة إلى المزيد من الإجراءات لاستكمال بنيته في كافة المرافق، بما فيها التشريعية من أنظمة وقوانين تتناسب ومرحلة التقدم الاقتصادي الذي تحقق في العقود القليلة الماضية. وضمن القضايا العديدة والتي أشرنا إلى بعضها في أوقات سابقة، يمكن الإشارة هنا إلى التقدم اللافت للنظر الذي حققته المرأة الخليجية، وبالأخص في سوق العمل المحلية والذي أدى إلى تضاعف أعداد النساء العاملات لتتجاوز أعداد الرجال لأول مرة وتبلغ نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل القطرية 52%، حيث كان لمساهمة سمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيسة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع دور كبير في تحقيق هذا الإنجاز والذي سيترتب عليه نتائج اقتصادية واجتماعية مهمة في السنوات القادمة. وتتشابه الصورة بدرجة كبيرة في سوق العمل لمواطني الإمارات والكويت والبحرين وعمان والتي حققت تقدما ملحوظا في تشجيع عمل المرأة ومنحها الثقة والفرص، حيث يضم مجلس الوزراء الإماراتي أكبر نسبة نساء في المنطقة، في حين مازال سوق العمل في السعودية بحاجة لإجراءات إضافية لتشجيع عمل النساء وضرورة إزالة بعض القيود المفروضة اجتماعيا والتي تعيق مثل هذا التوجه التنموي. وبصورة عامة، فإن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل الخليجي وصلت في معظم دولها إلى نسب مشاركة مثيلاتها في البلدان المتقدمة اقتصاديا، وهو إنجاز يشير إلى الجهود التي بذلت وإلى الانفتاح المجتمعي الذي يقدر عمل المرأة ويمنحها الفرص للمساهمة في التنمية. والحقيقة.. إن المرأة الخليجية تملك إرثا تاريخيا مشرفا في العمل في ظروف قاسية في فترة ما قبل النفط، باعتبارها المسؤول الأول عن إدارة شؤون الاقتصاد في فترة الغوص على اللؤلؤ، وعاملة في الحقول الزراعية والتجارة والصيد والأعمال الحرفية، وهي مرافق الإنتاج الرئيسية إلى جانب تجارة اللؤلؤ، وذلك إضافة إلى تدبير شؤون الأسرة وتلبية احتياجاتها. ومع اكتشاف النفط تراجع الدور الاقتصادي للمرأة الخليجية بسبب الاكتفاء والوفرة التي نجمت عن تدفق الثروة النفطية والتغيرات السريعة التي أوجدت فرص عمل تتطلب مهارات لم تتمكن المرأة الخليجية من امتلاكها لسنوات طويلة نتيجة لعدد من العوامل الاجتماعية والثقافية التي حالت دون ذلك، كاقتصار بعض المهن على الرجال فقط، مما أبعد المرأة مؤقتا عن المشاركة بفعالية في سوق العمل المحلية. ونتيجة لعوامل اقتصادية واجتماعية بذلت دول المجلس جهودا كبيرة لتشجيع عمل المرأة والتي أثمرت نتائج فاقت التوقعات، مما يؤكد أن المجتمعات الخليجية تسير في الاتجاه الصحيح لإيجاد اقتصادات ومجتمعات متقدمة تتيح الفرص للنساء والرجال على حد سواء، إذ يمكن اتخاذ إجراءات إضافية للسير قدما في هذا التوجه الحضاري، ففي الوقت الحاضر يعتبر تواجد المرأة في قيادة المؤسسات ضعيفا لا يتجاوز 10%، حيث بالإمكان فرض حصة "كوته" لعدد النساء في مجالس إدارات المؤسسات والشركات العامة والخاصة.