16 سبتمبر 2025

تسجيل

من روائع كتاب الله في صلة بالجائحة

12 أبريل 2021

سيهل علينا بعد ساعات شهر رمضان الفضيل جعله الله عز وجل رحمة وانفراج محنة إلا أن الاعتكاف فيه هذا العام اعتكافان: الأول اتباعا لسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والثاني احتراما للبروتوكولات الصحية، وأذكر رمضان العام الماضي غير المعتاد بالنسبة لي حيث قضيته ضمن سبعة شهور صعبة في بيتي بباريس لا أبرحه من مارس إلى أكتوبر 2020، لأنني غادرت الدوحة الحبيبة إلى باريس يوم 9 مارس لتجديد بطاقة إقامتي ذات العشرة أعوام وهي التي لدي من السلطات الفرنسية، لأنني لست فرنسي الجنسية حتى بعد أربعين عاما في فرنسا وأولادي مولودون هناك وحصلوا على حقهم في الجنسية الفرنسية بالميلاد، وقطعت تذكرة العودة إلى قطر ليوم 25 مارس لكن الذي حدث هو انتشار سريع للفيروس وغلق الإدارات وإعلان حالة الحصار الكاملة، فاعتكفت مضطرا في البيت وحيدا ولكن محاطا برعاية العديد من أصدقاء الخير والجيران جزاهم الله عني خيرا وأغلب الجيران من الشباب العرب مع زوجاتهم لا يتعشون إلا بعد أن يبعثوا لي من طبخهم أطباقا مغاربية جزاهم الله عني خيرا، مع زيارات لبعض أولادي تطرد عني الوحشة وتنعش الروح، وفي هذه العزلة المتاحة التي احترمت خلالها بروتوكولات الحجر الصحي الصارم هناك منذ أول أسابيع الكورونا أكثرت من قراءة القرآن كعادتي منذ طفولتي حين يشتد بأس أو يطرأ خطر وما أكثر ما عانيته وعاناه جيلي أيام مقاومة الاستعمارفي طفولتي ثم عهد بناء الدولة المستقلة في شبابي الأول مع مواكب الفتن والصراع من أجل السلطة والمحاكمات الكيدية الغاشمة التي ابتدعها الرئيس بورقيبة بالمحاكم الخاصة (شعبية وأمن الدولة وعسكرية) ضد كل من لا يروق له أو خالفه الرأي أو وقف ضده بشجاعة أو فقط بحيازته لبعض الإشعاع الشعبي الذي لا يرضاه بورقيبة إلا لشخصه فقط!! وهي الظاهرة المرضية التي عانت منها بلادنا أواخر عهد الزعيم رحمه الله. وفي غمرة أيام وليالي الحجر الصحي وأنا وحدي في عزلة أشبه بعزلة النساك والمتصوفين والمرابطين المنقطعين عن ضجيج الشوارع وثرثرة المجتمع في وسائل الاتصال الاجتماعية أتاح لي الله سبحانه أن أجد الفكر أكثر صفاء وأعثر فيما أعثر على معاني سورة المدثر فأجدها أقرب لمشاغل البشرية في محنتها الوبائية رفعها الله عنا، فالدعوة للتطهر سبقت في القرآن توجيهات لجان الأطباء والهيئات العلمية: بسم الله الرحمن الرحيم." يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ. وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ". ثم أواصل قراءة السورة فإذا برب العالمين يتحدث عمن يطمعون في المزيد من المال والمكاسب ومفاتن السلطة من حلال وحرام، فالله جعل لهؤلاء مالا ممدودا وبنين شهودا ثم يطمعون في الزيادة لا يشبعون تقول سورة (المدثر) عن هؤلاء الذين شبههم الله سبحانه في سورة الأعراف بالكلب اللاهث وراء المال والتكسب الحرام: "ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا. وَبَنِينَ شُهُودًا. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا. سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا". ثم أكتشف باجتهادي المحدود أن الله سبحانه وصف سقر التي هيأها لهؤلاء الذين لا يشبعون ورجعت لأفهم سر الرقم 19 وهو الذي يحمله فيروس كوفيد- 19، فوجدت المفسرين اختلفوا إلا أن جلهم يقرون بأنهم زبانية سقر. فتعجبت من رقم 19 وكأنه في السورة إشارة ربانية إلى بعض ما يعلمه هو سبحانه وما نحن له جاهلون: "فهي لواحة للبشر" أي مفرقتهم عن بعضهم: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ. أتذكر أن والدي رحمه الله كان يقول لنا حين يأخذنا لكتاب من كتاتيب القيروان قبالة بئر بروطة عند مؤدبنا طيب الذكر الشيخ البشير بن غانم رحمه الله فكان يذكر لنا حكمة للشاعر الباكستاني محمد إقبال وهي (اقرأ القرآن كأنما أنزل إليك) فقرأته شخصيا طوال حياتي كأنه أنزل إلي، إلى درجة أني أحسست بقلبي أن الآيات من سورة الضحى: (ألم يجدك يتيما فأوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى)، تنطبق علي بالضبط لأني عشت يتيم الأب منذ السابعة من عمري، فأواني الله في بيت كريم مع أرملة طيبة حنون، وكدت أكون ضالا لأني لم يوجهني أحد إلى الهدى فاهتديت بكتاب الله وحده، ثم حين لم نجد عائلا أغنانا الله تعالى ولم نبت ليلة جياعا ونحن أيتام.... كان والدي يردد على مسامعي تلك النصيحة للشاعر الباكستاني وهو الذي أبدع قصيدة (حديث الروح) التي ترجمها للعربية الشاعر الصاوي شعلان ولحنها الكبير رياض السنباطي وغنتها كوكب الشرق أم كلثوم رحم الله جميع هؤلاء زارعي بذرة الإيمان بالفن الراقي: من قام يهتف باسم ذاتك قبلَنـا * مَنْ كان يدعو الواحد القهَّـارا عبدوا تماثيلَ الصخور وقدَّسـوا * مِن دونك الأحجار والأشجـارا عبدوا الكواكب والنجوم جهالـةً * لم يبلغوا من هَديها أنـوارا هل أعلن التوحيدَ داعٍ قبلنَـا * وهدى القلوب إليك والأنظـارا كنَّا نُقدِّم للسيوف صدورَنـا * لم نخش يوماً غاشمًا جبَّـارا [email protected]