18 سبتمبر 2025

تسجيل

الكتب بين التأليف والإتلاف

12 أبريل 2013

تحفل صفحات التاريخ الإنساني بأخبار المذابح التي راح ضحيتها أعداد هائلة من الكتب، ولتاريخنا العربي والإسلامي نصيب وافر من هذه المذابح. ويعود إعدام وإتلاف الكتب، التي تحمل عصارة فكر الفلاسفة والمفكرين والفقهاء والأدباء والعلماء، إلى عدة عوامل منها الشرعية والعلمية والسياسية والاجتماعية والطائفية والنفسية وأسباب أخرى تعود للتعصب والتشبت بالفكرة الواحدة والرأي الواحد. ومن أكثر الوسائل انتشاراً في إعدام الكتب والتخلص منها يأتي الحرق أولاً ومن ثم التقطيع والتخزيق وكذلك الإتلاف بالغسل بالماء ليذوب الحبر عنها ومعه الورق، وشهد التخلص من الكتب كذلك طريقة رابعة وهي الدفن في الأرض في عمق يوازي القبور التي يدفن فيها البشر. ومن الكتب ما أُتلفت بأوامر من الحكام والسلاطين ومنها ما قام مؤلفوها بإعدامها بأنفسهم. وقد شهد تاريخنا العربي الإسلامي من هذه الحوادث الكثير، إذ يقال إن الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك أمر بإحراق كتب تعترف بفضل الأنصار في تأسيس الدولة الإسلامية. ويروي لنا ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ عن أبي بكر بن مقسم شيخ القراء ومؤلف الكثير من الكتب في تفسير القرآن الكريم والنحو والذي ابتدع قراءة لم تعرف من قبل، كما وصفه ابن الأثير والذي استتابه السلطان بعد ضربه وتعذيبه لخروجه على ما تعارف عليه الناس حينئذٍ، ثم أحرقت كتبه. وتعد حادثة حرق الخليفة الأندلسي أبو يوسف المنصور أحد ملوك الطوائف لكتب الفيلسوف والفقيه والقاضي ابن رشد أحد أشهر وأهم حوادث إحراق الكتب التي قام بها سلطان وإن تكررت من قبل ومن بعد مثل هذه الحوادث. أما قيام مؤلف بإحراق كتبه وإتلافها بنفسه فأشهر من قام بذلك هو أبو حيان التوحيدي الأديب والفيلسوف والمتصوف الذي عمد إلى إحراق كتبه بنفسه بعد أن دنا من نهاية حياته، ولم يسلم من هذه الكتب غير ما نقل قبل الحرق.. وقد بعث القاضي رسالة إلى التوحيدي يعذله ويلومه على صنعه، وذلك لمكانة التوحيدي كعالم في النحو واللغة والأدب والفقه والكلام ورد التوحيدي على القاضي برسالة طويلة وبليغة ومؤثرة، جاء في بعض سطورها قوله "أما ما كان مني من إحراق كتبي بالنار وغسلها بالماء فعجبت من انزواء وجه العذر عنك في ذلك، كأنك لم تقرأ قوله عز وجل (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون). وتبقى عمليه إتلاف ملايين الكتب التي نهبت من بيت الحكمة وإغرقت في نهر دجلة، أحد أقسى أنواع المجازر التي راحت الكتب ضحية لها، تلك المجزرة التي قام بها المغول بعد احتلالهم واستباحتهم لعاصمة الخلافة الإسلامية بغداد سنة 1258 ميلادي. كما أتلفت عشرات الألوف من الكتب في مكتبة الإسكندرية بسبب عنجهية وطمع يوليوس قيصر، الذي حاصر الإسكندرية وأضرم النار في سفن كانت راسية قبالة المكتبة، ليتم الإمبراطور الروماني تيودورس ما بدأه يوليوس قيصر وليحرق مكتبة الإسكندرية مرة أخرى سنة 391 ميلادية. رغم ملايين الكتب التي أحرقت والكثير من المفكرين والعلماء والفقهاء والأدباء الذين كممت أفواههم وعذبت أجسادهم إلا أن الفكر البشري ظل مستمراً في تطوره وتنوعه وثرائه. ويقول الفقيه الكبير شيخ الإسلام (سفيان الثوري): منْ يزداد علما يزداد وجعا ولو لم أعلم لكان أيسر لحزني.