13 سبتمبر 2025

تسجيل

الوليمة الكبرى

12 أبريل 2012

أعتقد أنه آن الأوان لنا في الخليج العربي أن نفكر جدياً حول أزمتنا القادمة لا محالة.. وأنا لا أتحدث هنا عن أزمة نضوب النفط أو الغاز أو غيرهما من مصادر الدخل القومي أو أزمة ندرة مصادر المياه في أرض الجزيرة العربية وإنما أتحدث عن أزمة مستقبلية أهم بكثير تتمثل في البقاء من عدمه في هذه المنطقة لأننا بصدد خيارين لا ثالث لهما: إما التصدي لمخطط ذوبان المنطقة واكتسائها باللون الصفوي الطائفي الإبادي بزعامة إيران وإما التصدي للمشروع الغربي الانتهازي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والذي وجد ضالته فوق هذه المنطقة "يأكل من خيرها" ويقتات من استمرار النزاع فيها واستمرار مصادر الخطر الخارجي المهدد لها. وفي كلتا الحالتين نحن بصدد التغيير من حالة السكون والخمول إلى حالة الحراك الدائم والتطورات الهائلة، فإما أن تعيش هذه المنطقة أمنا وأماناً إلى ما شاء الله وإما أن تعيش في خوف وهلع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فنحن إما أن " نصارع من أجل البقاء " وإما أن " نبقى في صراع " وشتّان ما بين الحالتين فالأولى يعقبها أمن وطمأنينة من العدوان الخارجي أو على الأقل استعداد له والثانية يعقبها فوضى واقتتال من كل حدب وصوب. إن من يشاهد ويستمع لأخبار المشهد العراقي مؤخراً ويحلل مقولات وتصرفات نوري المالكي - رئيس الوزراء العراقي - وزمرته ليجد أن العراق بأكمله – ويا للأسف – قد أصبح في قبضة المشروع الصفوي الممتد من إيران ليبسط تلك السجادة الإيرانية التي "اشتغل" عليها الإيرانيون بمهارة يدوية فائقة حتى أصاغوها "سجادة حمراء" مفروشة لاستقبال تلك الجيوش القادمة باتجاه أرض المعركة التي لا ندرك مكانها إلى الآن ولكننا ندرك نتائجها على أرض الواقع بعد أن فعلت أفاعيلها تجاه أهل السنة في إيران والآن في العراق وسوريا ولبنان. إن دول الخليج العربية كلها بلا استثناء مستهدفة من قبل تلك الفئة الطاغية التي أظهرت طائفيتها وحقدها الدفين طوال سنين خلت، ولكننا الآن فقط بدأنا نستشعر لهيب ذلك البركان الذي خرجت علينا حممه في سوريا لتأكل الأخضر واليابس وتقتل كل من يعترض طريقها، وليس بمنأى عن ذلك كله دولنا التي نستظل بأمنها وأمانها من رحمة الله تبارك وتعالى علينا، ولكن الأخذ بالأسباب يدفعنا ويجبرنا على إعداد ما استطعنا من قوة لمواجهة ذلك الزحف البربري التتري تجاهنا، وقد يقول قائل بأنكم تبالغون كثيراً.. فلسنا على أبواب حرب ولسنا نرى جنوداً تستعد لاقتحام حدودنا فمن أين أتيتم بتلك المخاوف؟. فنرد على مثل هؤلاء الغافلين الجهلة قائلين إنهم يجب أن يقرأوا التاريخ وأن يعرفوا ماهي أيدلوجية تلك القوى وما الذي يحرّكها.. فما الذي يجعل جنود الحرس الجمهوري الإيراني ينخرطون تحت لواء السفاح المجرم بشار الأسد؟، وقبل ذلك ما الذي يجعل هذا الطاغية يلجأ إلى إيران لطلب العون والمدد منها؟، وما الذي يجعل جنود جيش المهدي ومقتدى الصدر يستبسلون في الدفاع عن صديقهم الحميم في سوريا؟، وما الذي يدعو نوري المالكي لتسخير إمكانات العراق الهائلة لتكون رهن إشارة المشروع الخميني؟، وما الذي يدعوه كذلك للتبجح بوقاحة والاعتراض على قطر والسعودية في مساعدتهما أو تأييدهما للجيش السوري الحر؟، وما الذي يدفعه بوقاحة للدفاع علناً عن هذا النظام الدموي الحاقد؟، وما الذي يدفع حسن نصر الله لفعل الشيء نفسه من أرض لبنان؟، وما الذي يدفع جنود حزب الشيطان أقصد حزب الله "تعالى الله عما يصفون" إلى الانخراط في جيش المجرم "بشار الجزار"؟. باختصار إنه الولاء لذلك المشروع الصفوي القادم على ظهور ترسانة نووية وأخرى عسكرية.. ربما روسية الصنع أو صينية الصنع.. المهم أنها اشتراكية شيوعية بوذية لا دينية.. لا يهم.. المهم أنها تتوافق وذات الهدف الخطير الذي يعمل من أجله كل هؤلاء وهو "معاداة الإسلام والقضاء على المسلمين".. وعندما نقول "الإسلام والمسلمين" فإننا نقصد "الإسلام الحق" الذي جاء به خير المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعندما نقصد المسلمين فإننا نقصد الموحّدين لربهم والمؤمنين به على هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. وما هو خلاف ذلك فإنه يعتبر معادياً لله ولرسوله ولهذا الدين العظيم لأنه أظهر الإسلام شكلاً ومظهراً وأبطن الحقد والكراهية له فوافق هدفه أهداف أعداء الأمة في الخارج حتى وإن كان منتمياً لهذه الأمة العربية أو الإسلامية. إن من المضحك المبكي أن تظل دول خليجية وعربية صامتة ومتفرجة على ذلك المشهد المتحرك بسرعة هائلة فلا نجدها تتحرك لتتعاون مع "دول المواجهة" لهذا النظام المجرم كقطر والسعودية وتركيا، بل إن من المحزن كذلك أن نجد اهتمامات الدول تختلف وتتضاد في هذه المرحلة الحاسمة من الصراع، فهل أن يُعقل أن تنتظم صفوف المرتزقة من شتى بقاع الأرض ضد إخواننا في سوريا وأن تتخلخل صفوفنا وأن يرتد عنها المرتدون وأن ينقلب على عقبيه المنهزمون وأن يولّي الدبر الخائفون، بل إن من المؤسف أن تجادل دول أخرى بأنها لا ترى في ذلك خطرا على الإطلاق، بل إن مبلغ الخطر عندها هو بلوغ الإسلاميين إلى سدّة الحكم.. تلك النكتة السمجة التي مللنا سماعها والتخويف منها من أعداء الأمة في الخارج حتى أخذ يرددها الطغاة الهالكون من أمثال معمر القذافي أو المخلوعون من أمثال حسني مبارك وزين العابدين وعلي عبدالله صالح واستمر على منهجهم في ذلك التخويف فئة من الناس في مجتمعاتنا، أيعقل أن يتصارع الإخوة مثلاً عند دخول قاتل أو مجرم خطير إلى منزلهم؟ إن أول شيء يفعله العقلاء هو دفع الضرر المؤكد والأخطر قبل الشروع في دفع الضرر غير المؤكد أو الأقل خطراً، هذا إذا افترضنا أن الإسلاميين يشكلون خطراً من الأساس ولكننا نقولها من باب الفرضية المحالة، إذن فمن يسطو عليك في عقر دارك ليقتلك أو يقتل أمك أو أباك أو أحد إخوانك فإنك ستقاتله دون أدنى تفكير منك في ذلك.. حتى وإن كنت عاقّاً لوالديك أو في خلاف دائم مع إخوانك مثلاً فلا يعقل أن تقف متفرجاً. إن أولئك المخوّفين المهددين من خطر الإسلاميين يذكرونني جيداً بأولئك الذين دائماً ما تجدهم يُرهبون الناس من الاقتراب من الطائفية وتجدهم يخرسون ألسنة المتحدثين وينعتونهم بالطائفية في كل صغيرة وكبيرة حتى أصبح البعض يخاف أن يذكر كلمة تشير إلى التفرقة حتى لا ينتعونه بالطائفية، هؤلاء المخوّفين والمهددين اكتشفنا مع مرور الوقت أنهم أكثر الناس حقداً وكرهاً ورغبة في الطائفية ومثال سوريا شاهد على ذلك، فهو سلاح يتسلّحون به كي يفقد الطرف الآخر كل مقومات القوة لديه، تماماً مثلما فعل الأمريكان مع الدول العربية والإسلامية بعد أحداث سبتمبر حيث خوّفوا الدول الإسلامية من الإرهاب ومن تمويل الإرهاب حتى أغلقت تلك الدول الضعيفة باب الزكاة والجهاد حتى دخلوا جحر الضب واختنقوا بداخله.. إرضاءً للطرف الآخر الذي يمارس الإرهاب كأمريكا ويموّل الإرهابي الأكبر "إسرائيل"، إنها عملية مفهومة.. فمن ينعتك أو يخوّفك من الإرهاب هو أكبر إرهابي ومجرم ومن ينعتك أو يخوّفك من الطائفية هو أكبر طائفي وحاقد ومن ينعتك أو يخوّفك من الإسلاميين فهو كاره وحاقد على الإسلام والمسلمين لغرض خبيث في نفسه.. فهل نفهم ذلك جيداً فلا نترك إخواننا في سوريا "لقمة سهلة" لأولئك المرتزقة.. لأننا إن لم نفعل سنكون بعد ذلك "وليمة كبرى" لأعداء الإسلام.. مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم ".. كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ".