13 سبتمبر 2025

تسجيل

دع عنك القلق وعِش حياتك

12 مارس 2020

النفس البشرية عُرضة للتقلُّبات المزاجية والاضطرابات والتغيرات المستمرة؛ نظرًا لتأثُّرها بالأحداث التي تدور في الحياة من حولها، ومن أبرز التقلُّبات التي تعتري النفسَ بينَ الحين والآخر هو الشعور بالقلق الذي يُعدُّ جزءًا من حياة الإنسان وبقائه متفاعلًا مع المجتمع من حوله؛ فالقلق الطبيعي هو الحافز لمزيدٍ من الجهد ومواصلة المشوار للوصول إلى الهدف والحلم الذي يتمناه الإنسان، فهذا النوع من القلق وهو ما يُسمى بالقلق العامِّ محمودٌ غير مذموم، وهو جزء من الشعور بالمسؤولية. أما إذا زاد القلق عن الحدِّ الطبيعي فقد أصبح اضطرابًا نفسيًّا ذا أثر سلبي على صحة وحياة الشخص نفسه، وأصبح القلقُ الزائد ظاهرةً واضحةً في عصرنا الحالي تضربُ كلَّ الأعمار في الحقيقة، فلا يُفرِّق القلق بين كبير وصغير؛ وذلك نظرًا للتطورات السريعة في نمط الحياة، والنزاعات والاضطرابات بين الدول، والظواهر الكونية، وانتشار الأمراض الغريبة، وكل هذه الأمور التي جعلت بعض الناس في قلق متواصل، فهناك مَن يقلق على مستقبله ومستقبل أولاده، وهناك مَن يقلق من الإصابة بالأمراض، وهناك مَن يقلق على مسيرته في الحياة والعواقب والصعوبات التي قد تواجهه، وتتعدَّد المخاوف التي تُسبِّب القلق والتوتر وتُزعج النفوس وتُكدِّر القلوب؛ فيجب طرد هذا القلق المدمِّر، وذلك بحُسن الظن بالله، فالمؤمن الحق كلما داهمَتْ قلبَه المخاوف وزاره القلق؛ دفعها بحُسن الظن بربه، فحُسن الظن بالله عبادة، روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ". رواه أحمد وأبو داود. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي". ومن أنفع السُّبل في دفع القلق استحضارُ إرادةِ الله ومشيئَتِه، والإيمانُ بالقضاء والقدر خيره وشره، فالأمر له من قبلُ ومن بعدُ، فما شاء سبحانه كان وما لم يشأ لم يكن. وكذلك استشعار علمه وحكمته في كل هذه التطورات والتغيُّرات من حولنا، فلا بد لكل ذلك من حِكَم ربانية لا نعلَمُها نحن البشر، فإذا استشعرنا هذه المعاني كان ذلك من أعظم أسباب الرضا والتسليم بأقدار الله في كونه. يقول الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد22، 23]. وقال سبحانه: { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن:11] فيجب على المسلم أن يدفع عن نفسه القلق ولا يشغلها بما يُكدِّرها، وأن يهتمَّ بعمل يومه، ويعيشه بكل تفاصيله بسعادة وهدوء، لا تُجدِّد أحزان الماضي لأنها قد وَلَّتْ ولن تعود، ولا تخشَ المستقبل وترهق نفسك في الحسابات له، فهو ما زال في علم الله لم يأتِ بعدُ، ولا ندري ما تحمله لنا الأيام، فقط نستبشر ونتفاءل بالخير وأن القادم أفضل بإذن الله. فيجب أن نقطع الخوف من المستقبل بشكل نهائي، ولكن من الواجب أن يُوطِّن المسلم نفسَه على القناعة بما آتاه الله تعالى، سواء في وقته الحالي أو في المستقبل؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَل مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ". وهذا في النظر إلى الصحة وسعة الرزق وغيرها من عطايا الله لخلقه. وكذلك يجب الحرص على تعزيز الثقة بالنفس حيث إنها تُعدُّ من أهم العوامل التي تساعد على التغلب على القلق والمخاوف. عِشِ الحياةَ ببساطة وسهولة ويُسر، ودَعْ عنك القلقَ الذي يُفقِدك متعة الأشياء الجميلة في حياتك، لا تُعطِ الأمورَ أكثر مما تستحق وأعطِ كلَّ شيء حقَّه وقدْرَه المناسبَ من الاهتمام. لا تهتمَّ بتوافِه الأمور، ولا تجعل صغائرَ المشاكل تهدم سعادتك، ولا تسمح لنفسك بالقلق والانزعاج من أجل أشياء لا تستحق. واحرص دائمًا على تقوية صلتك بالله ومداومتك على ذِكره في كل الأوقات، فذكر الله أصل الطمأنينة في الحياة، والقرب من الله وذكُرِه في كل وقت يُطمئن القلب الذي هو سيد الجوارح، فإذا سكن واطمأنَّ عمَّت الطمأنينة أرجاء الجسد. قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. وعليك بالحرص على كثرة قراءة القرآن الكريم لأنه من أنجح العلاجات لدفع القلق، فكلام الله يشرح الصدرَ ويُذهِب الهمَّ والغمَّ، ولا سيما إذا اقترنت القراءة بالتدبر في الآيات. وعليك بقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقصص الأنبياء؛ فستجد كل المواعظ والعِبَر التي تجعلك تتدبر ما أصابهم من هم وغم وصعوبة في الحياة، ولكن بالرغم من ذلك صبروا واحتسبوا وواصلوا نجاحاتهم في الحياة بدون قلق على المستقبل. كما أنصح نفسي وإياكم بمجالسة الصالحين الإيجابيين الناصحين المتفائلين، الذين يرفعون من همتك وعزيمتك نحو الهدف الذي تريد الوصول إليه، وعليك بالابتعاد عن المتشائمين الذين ينظرون لأمور الحياة بسوداوية وظلامية. كما أقترح بالاشتراك في فعاليات اجتماعية تبعدك عن الوحدة والقلق، واشترك وتابع وسائل التواصل الاجتماعي ذات الطابع الإيجابي والمفيد، وابتعد عن مواقع وحسابات أهل الفتنة والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق. دعاء أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الطمأنينة في القلوب، والسعادة في الحياة، وأن يُذهب عنا وعنكم الهم والغم والحزن والقلق، وأن يجعلنا وإياكم وجميع المسلمين والمسلمات من السعداء في الدنيا والآخرة. اللهم آمين. [email protected]