11 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرب مرة أخرى..!

12 فبراير 2024

رغم أنه سؤال عادي جدا في خضم الأسئلة التي تصلني دائما عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنني توقفت عنده قليلا قبل أن أحاول الرد. أحب الأسئلة التي تباغتني وتجعلني في حيرة من أمري وأنا أبحث في زوايا الأفكار عن الإجابة. أشعر بانتماء عتيق لعلامة السؤال بشكلها المميز ونقطتها الصغيرة المعلقة في ذيلها كفكرة خبيئة، فأعلقها كأيقونة في خواء روحي كلما فكرت بالرحلة الطويلة في الحياة، واستمر بعدها في خطواتي على مسار منحناها الجميل! تقول المتابعة في سؤالها الذي ألحقته بواحدة من تدويناتي الأخيرة في منصة إكس عما يحدث في تويتر: «متى تعودين للكتابة عن الشعر والأدب والكتب؟ لماذا تأخذك السياسة عنا نحن الذين أحببناك في عوالم الكتابة؟». من الواضح أن المتابعة تشعر بالملل من تدويناتي المستمرة عن غزة والقضية الفلسطينية عموما منذ السابع من أكتوبر الماضي، أو أنها بدأت مرحلة الاعتياد على ما يحدث فأصبح كل ما يكتب عنه مجرد تكرار. أعرف أن من حقها بصفتها قارئة متابعة لكتاباتي كما يبدو، توجيه سؤال كهذا، ولكنني نفرت من السؤال حتى لا أقول أنني شعرت بالغضب منه. اعترف أنني أصبحت أكرر كتاباتي وأفكاري وأنا أرى المشاهد تتكرر يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة. كل شيء في غزة يحيلني إليها وإلى الموت فيها. حتى الحلم بتحررها يقتلني عشرات المرات في اليوم الواحد وأنا أعيشه عجزا مستمرا. الموت متشابه في أرض غزة، ومشاعرنا توحدت وتجمدت فيها حتى تشابهت الكلمات أيضا. لكن الصمت أكثر سوءا من تكرار كل ما يقال، وإن في وصف الموت الساكن في العيون المندهشة. أعرف أن كتاباتنا عن مأساة غزة هذه الأيام لا تفعل شيئا حقيقيا، لا تنجي ولا تنقذ ولا تطعم ولا تداوي ولا تسقي، ولكنها على الأقل لا تجعلنا صامتين حيث يسعنا الكلام والكتابة والإشارة الى ما ينبغي الإشارة له. ومن يدري؟ لعلها تربت قليلا على جموع الصابرين بانتظار الفرج! لكنني لا أكتب في السياسة، قلت لها، وأنا أعرف أنها تعني كتاباتي عن غزة تحديدا فأنا تقريبا لا أكتب عن غيرها منذ شهور في حساباتي على التواصل الاجتماعي، أما وقد صار الحديث عن المآسي والحروب والشهداء والمصابين والمهجرين والجائعين والعطاشى والضائعين في خضم الموت، سياسة، فهذا مما يمكن أن يثير عجبي. هل يمكننا حقاً أن ننفصل عن السياسة ونحن نتحدث عن المآسي حولنا؟ السياسيون هم السبب الأول لتلك المآسي، هم الذي يخلقون المشاكل، ويخططون لسرقة الأوطان، ويرسمون الخرائط الجديدة قبل أن تبدأ جيوشهم بالاحتلالات وبعدها أيضا. هم الذين يحسبون الجثث والمصابين ويتباهون بالأرقام كلما زادت، وهم الذين يشاهدون الحروب على الشاشات أمامهم وكأنهم يتفرجون على أفلام عاطفية. السياسيون الذين يريدون إقناعنا أننا لا نستطيع العيش بدونهم هم سبب البلاء في كل ما حدث ويحدث. لكنهم على أية حال يبقون هم موضوعنا المفضل ونحن نحاول الانتصار لضحاياهم. وها هي غزة الشاهد الأخير، الموجع جدا، على وقاحتهم وهو يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، بثيابهم الأنيقة وابتساماتهم الباردة وكلماتهم التي يحاولون فيها إقناع الضحية بأنه الجاني وإقناع المجني عليه بأنه القاتل. يدوسون على الدماء التي تسيل تحت أقدامهم وهم في الطريق الى اجتماعاتهم لتدبيج البيانات في الشجب والاستنكار والتنديد، وخلط الأوراق لضمان كتابتها من جديد. قلت لمتابعتي الملول أنني لا أكتب عن السياسة، لكنني أكتب عن ضحاياها وقد انحازت لاحتلال صهيوني غاشم، أما الشعر والأدب والثقافة فهي كل هذا.. أحيانا!