15 سبتمبر 2025

تسجيل

السودان.. "عايرة وأدوها سوط !"

12 يناير 2015

في الأسبوع المنصرم أجاز برلمان الرئيس البشير تعديلات دستورية عابها دستوريون وقانونيون وأساتذة علوم سياسية، وقالوا في عيوبها ما لم يقله مالك في الخمر. ومالك لم يترك شيئا لم يقله. أخطر هذه التعديلات الدستورية تعديلان، التعديل الأول ألغى الحقوق القانونية والدستورية والإدارية والمالية التي اكتسبتها الولايات من الحكومة المركزية بعد منافحات طويلة ومريرة بينها وبين المركز بدأت مع بزوغ فجر الاستقلال في الأول من يناير من عام 1956. واستمرت حتى عام 2005 وهو العام الذي أجيز فيه دستور مؤقت بمعاونة دولية جادة هدفت أساسا إلى وضع حد للأزمة السودانية المتطاولة عن طريق حسم العديد من قضايا الحكم المختلف حولها عن طريق مواد الدستور المؤقت هذا. في دستور عام 2005 المؤقت حصلت الولايات على العديد من المزايا الدستورية، مثل حقها في اختيار حكامها، وحقها في وضع الأسس التي تدير بها شؤونها المحلية، ماليا واقتصاديا وإداريا. وحق توظيف قدراتها المالية والاقتصادية مهما كان حجمها في تقديم خدماتها لسكانها بالأسبقيات التي تراها باعتبار أن أهل مكة هم أدرى بشعابها. ورغم ضيق ذات اليد، تحملت الولايات وسكانها عن رضا وطيب خاطر هذا الضيق باعتباره ضيقا مؤقتا وبأمل أن يكون الغد أفضل، رغم أن بعض الولايات كانت تستغيث بالمركز من حين لآخر طالبة منه العون المالي، أتاها هذا العون من المركز أم لم يأتها. بعض الولايات الفقيرة لجأت إلى ما عرف في الصحافة المحلية بسياسات (الجباية) التي أكثرت فيها من فرض الضرائب المحلية على سكانها بصورة ألحقت الأذى الضريبي بالفقير والغني على حد سواء. وعندما يجأر المتأذون بالشكوى من هذه الجبايات الولائية، تسكت هذه الولايات سكوتا يقول "مكره أخاك لا بطل". فالمواطن الولائي يطلب من هذه الولايات خدمات كثيرة تعجز الولاية عن تقديمها بسبب عجوزاتها المالية المتراكمة. نعم، كان هذا يحدث ولكن لا أحد أطلق صيحة اليأس من الحكم الفيدرالي الذي ظل يحبو وعينه على الآفاق البعيدة. في الأسبوع المنصرم داس الرئيس البشير بحذائه السلطوي الثقيل على أهم المكاسب التي حصل عليها الحكم الولائي بعد كفاح السنين الطويل، والمتمثلة تحديدا في مكسب اختيار حاكم الولاية بالانتخاب الحر المباشر، ومكسب تصرف الولاية في الأراضي الحكومية التابعة لها. في عودة جريئة الماضي البعيد عندما كانت ولايات اليوم عبارة عن فراغات جغرافية ممتدة يمكن أن يتصرف فيها ضابط المجلس الريفي أو عمدة الناحية بما يرى. المؤكد جدا أن هذا التعديل الذي سلب الولايات أهم ما حققته من مكاسب لن يمر بسلام في الأقاليم التي شمت ريح العافية بعد كفاح طويل. الخلافات الحزبية الحادة بين أطراف متنافسة في الحزب الحاكم هي التي خلقت هذا الواقع الجديد الذي سيضيف أزمة جديدة إلى أزمات الحكم السوداني المتطاولة. أما التعديل الدستوري الخطير الثاني، فهو المتعلق بتحويل جهاز الأمن إلى حكومة داخل الحكومة له محاكمه ونياباته وسجونه الخاصة، ومسؤول أمام نفسه فقط وليس مسؤولا أمام أحد. هناك مثل سوداني يقول: "الرماد كال حماد". أكيد: الرماد كال عيون كل الحالمين بغد جديد في البلد القارة الذي يتقزم الآن على جناح السرعة، كما يقول اللغويون!.