13 سبتمبر 2025

تسجيل

عقل المرأة

12 يناير 2014

بكل مَنْ التقيت من النساء العربيات تبين لي أن ثلاثاً هن اللواتي يستطعن استعراض الواقع العام وتحفيزه بجرأة خالصة، المطلقة والعانس والمتزوجة برجل متخطٍ لعصره وزمانه، وما أحوجنا إلى هذا النوع. إن واقع المرأه يتراوح بين خطابين متوازيين: التقليدي القديم الذي حصرها وحجب عقلها، والحديث الاستهلاكي الذي يقف على الرصيف المتطرف الآخر الذي كشف جسدها وقدمها كسلعة لعرض الأزياء والإعلانات والوظائف التي تستقطب جسدها دون فكرها وعلمها، وهنا رخّص المجال لسابقه أن يتنطع للدفاع عن (شرفها)، وبذا تكمن خطورة هذا الخطاب اللاحق، لأن الأول كُشفتْ أوراقه لدى الكثيرين، أمّا هذا فقد صدّع وعي الرجل والمرأة، التقليدية منها وغير التقليدية، حيث جعل من الأولى حارسة على الإرث والتقاليد ومدافعة بكل ما أُتيت، وربما بأعنف مما يأتي به الرجل عن كلّ ما من شأنه أن يُرجعها والمجتمع برمته قروناً إلى الوراء، كما جعل من الثانية إنسانة مشطورةً في داخلها إلى نصفين، ومستهلكة في بيتها حتى اللهاث، فهي آخر من ينام وأول من يصحو، امرأة عصرية ولكنها منشرخة ومتصدعة الوعي، فيما بقيت تلك المتنورة التي تقف على رؤوس الجبال لترى الأشياء من علٍ بنظرة شمولية ثاقبة وهي المتألمة الحقيقية على النوعيتين اللتين أفرزهما صراع القديم المتطرف والحديث المستورد من عولمة الغرب الذي َشَده البعض بمدنيته، وليس بحضارته لأن المدنية هي تراكم التطور العلمي، وأما الحضارة فهي التراكم الإنساني الذي نحّوه جانباً وجعلوا من سوق الحياة مدجنة كبيرة، فيأتي الرجل التقليدي ليختار أكثر النساء تدجيناً (حتى يريح باله)، وهنا تطفو مأساة المرأة التي صرفت سني عمرها في النضال والدراسة ليأتي رجل متعلم مثلها لا ليختارها بل ليُرسل أمه إلى أية أسرة (مستورة) لاقتناء زوجة مطيعة، فتقف الأولى أمام نفسها وتسأل هل كسبت ذاتها وخسرت الزوج؟! فيما ينهض السؤال الآخر المروع: لماذا كل هذا الخوف الجمعي من عقل المرأه وعملها؟!