11 سبتمبر 2025
تسجيلتتحول القاعدة شيئا فشيئا إلى "غول" يلتهم الواقع العربي والإسلامي، وما يجري في سوريا يدل على ذلك، فالقاعدة هناك تتمثل بجناحين الأول هو جبهة النصرة، الذراع الشرعي، والثاني "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الذي يطلق عليه إعلاميا "داعش"، وهو الجناح المرفوض وغير الشرعي بعد أن رفع الدكتور أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الغطاء عنه قبل شهور. وسواء كان هذا الجناح أو ذاك يحظى بالشرعية أم لا، تبدو الحاجة ملحة لإعلان حل هذا التنظيم قبل أن يستفحل أمره في الخراب، ولكي نكون منصفين فإن القاعدة أذاقت أمريكا المر وكبدتها خسائر فادحة في أفغانستان والعراق، وكادت أن تهزم القوات الأمريكية لولا اختراع الحل السحري المتمثل في "الصحوات العراقية" التي أنقذت الأمريكيين من هزيمة مذلة على غرار فيتنام.من الواضح أن تنظيم القاعدة يسير على غير هدى بعد اغتيال مؤسسه وزعيمه التاريخي أسامة بن لادن ومقتل مجموعة كبيرة من قياداته وعلى رأسهم أبو مصعب الزرقاوي، فالقاعدة لم تعد تنظيما واحدا بل تحولت إلى تنظيمات لا تتحكم بها قيادة مركزية وتتخذ قرارات دون الرجوع إلى قيادة عليا، وهذا ما أفقد القاعدة ميزة "المرجيعة القيادية" التي تعاني من الافتقار إلى "الكاريزما" إضافة إلى صعوبة تواصلها مع الآخرين مما يفقدها القدرة على التفاعل السريع مع مجريات الأحداث، الأمر الذي حول القاعدة التي "تحالف عقائدي" يتكون من "الراغبين"، الأمر الذي أتاح له التمدد من أفغانستان وباكستان إلى العراق والمغرب العربي واليمن والصومال وأخيرا سوريا، كجسم دون رأس حقيقي، في حالة ربما تعتبر نادرة في التاريخ الإنساني، تتمثل في تحالف يقوم على قاعدة "شركاء في الفكر، مستقلون في الفعل"، مما حول القاعدة إلى تنظيم عنقودي مفكك هرميا وتنظيميا، لا يربط بين عناقيده المفككة إلا شعرة من الأفكار والعقائد والأيديولوجيا العنيفة".هذا التفكك التنظيمي للقاعدة وفر الفرصة لاختراقها من قبل عدد كبير من أجهزة المخابرات، وتوجيهها واستخدامها كأداة وظيفية في مواجهة الآخرين، وهذا ما يظهر في سوريا بشكل واضح وجلي، فتنظيم "داعش" بقيادة البغدادي الذي تصرف بمعزل عن أوامر الظواهري بحل "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهاجم "زعيمه المفترض" ونعته بأنه من القاعدين الفاقدين للرؤية والبصيرة، يعني عمليا "انشقاق داعش" عن القاعدة واستقلالها وقطع "الشعرة الأيديولوجية" التي كانت تربط بينهما، ودخلت في صراع مسلح مع الجناح الثاني للقاعدة "جبهة النصرة" للسيطرة على الساحة السورية كليا، وتعدت ذلك إلى مواجهة جميع الفصائل الإسلامية السورية في صراع مسلح سقط فيه حتى الآن أكثر من 500 شخص من الطرفين، مما يعني أن القاعدة دخلت في صراع مع أخوة العقيدة.ما يلفت الانتباه في الأنباء الواردة من سوريا هي أن "داعش" أحرزت تقدما في محافظة الرقة في مواجهة كل القوى الإسلامية الأخرى بما فيها جبهة النصرة، وهذا يدفع للسؤال: من يزودها بالأسلحة والذخائر والمؤن لكي تتصدى لكل القوى الأخرى مجتمعة؟ والإجابة هي وجود دول أو أجهزة تدعم "داعش" عسكريا، إذ يفترض أن قيادة القاعدة لا تقدم أي دعم لهذا التنظيم بعد أن رفعت الغطاء الشرعي عنه، وذهب الجيش السوري الحر إلى اعتبار "داعش" بأنه "طعنة غرسها نظام الأسد في ظهر الثورة، فيما تحدث وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، عن "شراكة" تجمع التنظيم مع نظام الأسد، وهناك مصادر أخرى تحدثت عن شراكة تجمع بين "داعش" ونظام المالكي، وقد عبر المتظاهرون في حلب عن رأيهم بهذا التنظيم في شعار جمعتهم "عصابة بشار الأسد عدونا الأول."القاعدة تحولت في غضون سنوات قليلة من عدو للأنظمة إلى عدو للجماهير، أي أنها فقدت الحاضنة الشعبية لها، كما أن الغالبية العظمى من العلماء، اتخذوا مواقف ضد "داعش" حتى ممن كان يؤيد القاعدة، وهذا يضع التنظيم كله في مهب الريح، وربما يحولهم إلى "خوارج" العصر الحديث.حان الوقت لإسدال الستار على القاعدة، وحان الوقت للدكتور أيمن الظواهري لكي يتحلى بالشجاعة الكافية لإعلان نهاية هذه الظاهرة لمنع استخدامها ستارا لقتل المسلمين، والدليل على ذلك أن تنظيم البغدادي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" تحول إلى تنظيم يقاتل "لحسابه" أو حساب آخرين.تنظيم القاعدة مخترق ومفكك وبلا استراتيجية حقيقية ويضم أشخاصا تتحكم بهم غريزة القتال غير المنضبط أو الغضب والنقمة من الأوضاع السائدة، ويغلب عليهم الجهل والأمية ويتحكم بهم "قيادات مجهولة" تديرهم أطراف خفية.لقد دخل الظواهري التاريخ بقتاله أمريكا إلى جانب أسامة بن لادن والزرقاوي وسيدخل التاريخ من باب أوسع إذا أعلن نهاية عصر القاعدة ليغلق أبوابا من الشر تعصم دماء المسلمين.