16 سبتمبر 2025
تسجيلحين نمشي في شوارع موحلة وملتوية ومليئة بالحفر والمطبات، فإننا نبدو مطمئنين، إذا كنا نمشي في وضح النهار، أما في الليل، خصوصا إذا كانت هذه الشوارع بغير إضاءة، فإننا نبدو متوجسين وخائفين من أن نسقط فجأة في حفرة عميقة أو من أن نرتطم بمطب، وهذا هو حالي عندما أقرر الكتابة عن موضوع يتعلق بدولنا العربية التي داهمها ما أطلق عليه الإعلام الغربي اسم الربيع العربي، وهنا تراودني – بين حين وحين- فكرة الفرار من الكتابة حول هذا الموضوع أو ذاك، محاولا أن أبتعد بقدر الإمكان عن حفرة هنا أو عن مطب هناك، لكن فكرة الفرار تتطلب أن أبحث عن شوارع ليست عربية، لكي أمشي فيها مطمئنا، دون خوف من السقوط أو الارتطام! من هذا المنطلق، أعترف بأني انجذبت تجاه حدثين ثقافيين غير عربيين، أولهما إيجابي، والثاني ليس كذلك باعتراف الذين صنعوه، وقد شهدت تركيا الحدث الأول- الإيجابي، متمثلا في إباحة توزيع الكتب التي كانت ممنوعة على امتداد سنوات من القمع والمنع والمصادرة، بينما شهدت السويد الحدث الثاني. حيث أوضحت الأكاديمية السويدية أن جائزة نوبل للآداب قد منحت لكاتب أمريكي، لكنه لم يكن يستحق تلك الجائزة الشهيرة على مستوى العالم كله! كنت وما زلت واحدا من المعجبين بالشاعر التركي العظيم ناظم حكمت، الذي ترجمت أعماله إلى لغتنا العربية ابتداء من سنة 1952وكنت وسواي ممن يعشقون الحرية نستشهد بقصائد هذا الشاعر العظيم فيما نكتبه، كما نترنم بها في جلساتنا وسهراتنا، ومن أشهر تلك القصائد- نقلا عن ترجمة الدكتور علي سعد- قصيدة قصيرة تقول: إن أجمل البحار هو ذلك الذي لم نذهب إليه بعد- وأجمل الأطفال من لم يكبر بعد- وأجمل أيامنا لم نعشها بعد- وأجمل ما أود أن أقوله لك لم أقله بعد.. وبالطبع فإني وسواي كنا نعرف أن ناظم حكمت قد تعرض خلال حياته للملاحقة والمطاردة، لكني لم أكن أعرف أن هذه الأعمال الشعرية والمسرحية ممنوعة في وطنه تركيا حتى الآن إلى أن تقرر منذ أيام قلائل أن تباع في مكتبات تركيا، ومعها كتب ودراسات أخرى عديدة، كان كثيرون من طلاب الجامعات التركية يقبعون في المعتقلات بتهمة حيازة تلك الكتب والدراسات! كنت كذلك واحدا ممن قرأوا روايات الكاتب الروائي الأمريكي الكبير جون شتاينبك، ومن أشهرها عناقيد الغضب وشارع السردين المعلب ورجال وفئران وشتاء السخط وسواها، وقد فاز جون شتاينبك بجائزة بوليتزير سنة 1940 كما حصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1962 وقالت الأكاديمية السويدية وقتها إن هذه الجائزة قد منحت لجون شتاينبك تتويجا لأعماله الواقعية والمبتكرة، التي تجمع بين روح الفكاهة والإدراك الاجتماعي الثاقب، وكانت ثمرة حصوله على تلك الجائزة العالمية أنه أصبح كاتبا عالميا مرموقا، حيث تمت ترجمة رواياته إلى لغات عالمية عديدة، من بينها لغتنا العربية، حيث احتشد المترجمون العرب لكي يتنافسوا في ترجمة ما قدمه جون شتاينبك من أعمال أدبية متنوعة، أهمها رواياته الشهيرة وبالذات رواية عناقيد الغضب، وهي الرواية التي كانت قد صدرت في طبعتها الأولى باللغة الإنجليزية سنة1939 وها هي الأكاديمية السويدية تعلن- بعد أكثر من نصف قرن- أن جائزة نوبل قد منحت لجون شتاينبك، لأن بقية المرشحين وقتها كانوا أقل جدارة منه فقط، وليس لأنه يستحقها بالفعل! سعدت بالطبع حين أصبح بإمكان القراء الأتراك أن يتقنوا أعمال شاعرهم العظيم ناظم حكمت، لكني لم أنزعج مما قالته الأكاديمية السويدية عن جون شتاينبك، فهو كاتب روائي كبير، حتى لو لم يكن قد حصل على نوبل من الأساس، فهذا ما حدث بالفعل مع كتاب وشعراء كبار لم ينالوا نوبل للآداب، لكن هذا لا يعني التقليل من شأن ما أبدعوه على امتداد حياة كل منهم!