12 سبتمبر 2025

تسجيل

تباشير الشتاء

11 ديسمبر 2015

يرتبط الشتاء في الذاكرة بإجتماع العائلة مساء حول نار الدوة (المنقلة)، بينما يتصاعد بخار الشاي والحليب بالزنجبيل، لتنتشر روائحه المنعشة، خالقة جواً بديعاً يتناغم مع أحداث الحزاوي (الحكايات الشعبية)، التي ترويها الأم أو الجدة وهي تغالب الوسن الذي يطوف بعينيها، بينما يقاوم الأطفال البرد بسحب الأغطية حتى وجوههم، فلا يظهر منها سوى العينين الناظرتين بشوق لما ستنتهي إليه الحزاية!! مع هجوم البرد الكاسح هذه الأيام، الذي تزامن مع دخول المربعانية (الأربعينية) التي أخذت اسمها من الأربعين وهي عدد أيامها، وهو الموسم الذي ينذر بانخفاض درجات الحرارة ونزول الغيث وطول الليل وقصر النهار، والتي تتكون من ثلاثة أنواء، أطلق العرب عليها أسماء (الإكليل والقلب والشولة)، حيث يمكث كل نوء لثلاثة عشر يوماً. فنوء الإكيل الذي يمر بنا هذه الأيام يعد أول المربعانية وتكثر فيه الأمطار والغيوم، وينبت خلاله الفقع بعد سقوط المطر وارتواء الأرض في موسم الوسم، ويقول العرب عنه: (إذا طلع الإكليل، هاجت الفحول، وشمّرت الذيول، وتجرّفت السيول). ويأتي النوء الثاني من المربعانية هو (القلب) وتكون فيه أطول ليلة وأقصر نهار في السنة، ويشتد البرد فيه وتقوى الرياح، وخاصة الشمالية، ويقول العرب عن هذا النوء: (إذا طلع القلب امتنع العذب، وجاء الشتاء كالكلب، وصار أهل البوادي في كرب). وآخر أنواء المربعانية (نوء الشولة) والطقس يكون فيه شديد البرودة وقليل الأمطار، ويقول العرب عنه: (إذا طلعت الشولة طال الليل طوله، واشتد على العائل العولة) أي صعب على العائل وهوالأب أن يكسب رزقه بسبب شدة البرد.. وقد قال الشاعر سيف الدين المشد شاكياً قسوة (الشولة):رب ليل سرت فيه وصحبي أسمر ذابل وعضّب يمانيأحسب البدر حين غرّب في الشولة بعض الكرات في الصولجانوالثريّا مثل اللجام المحلّى جذبته أعنّة الدبرانوقال شاعر نجد محمد بن عبدالله القاضي واصفاً أنواء المربعانية:ترى الاكليل والقلب والشولةهي المربعانية للأوراق ماحق..فالمربعانية كما يقول الشاعر تمحق أوراق الأشجار التي تتساقط من البرد الشديد.. كما وصف الشاعر الفلكي راشد الخلاوي دخول البرد بهذه الأبيات:اذا قارن القمر الثريا بتاسعيجي ليالي بردهن كباسثمان ليال يجمد الما على الصفايخلي عودان العظام يباسلو كان فرق العود ثوب وفروهلكنه عاري ما عليه لباسوإذا كان الشتاء في بلادنا يرتبط بالذكريات الجميلة والطقوس الحميمة، فهناك إخوان لنا من بني جلدتنا، يمضون الشتاء في العراء أو في مخيمات شتات، لا تتوافر فيها أدنى مقومات الحياة، ومعهم أطفال ومسنون يعانون من البرد القارس والمطر المنهمر، والثلج المتساقط، ولا يملكون ما يواجهون به قسوة الشتاء وزمهريره القارس.