13 سبتمبر 2025
تسجيلتتزايد أهمية العقوبات الاقتصادية في العلاقات الدولية وتستخدم كأداة فاعلة في تحقيق الأغراض التي تسعى إليها بلدان العالم، سواء بصورة فردية، كالدول العظمى أو على المستويين الإقليمي والعالمي، كما هو الوضع في حالتي سوريا وإيران. والعقوبات الاقتصادية أسلوب قديم نسبيا في العلاقات بين الأمم، ففي بداية القرن العشرين استخدمته البلدان الغربية ضد روسيا السوفيتية، كما فرضته الولايات المتحدة بصورة فردية على كوبا قبل أكثر من خمسين عاما، أي في عام 1959. وتفاوتت تأثيرات هذه العقوبات بين بلد وآخر، وذلك وفقا لشمولية هذه العقوبات ودرجة ارتباطها بالتركيبة الاقتصادية والاجتماعية للبلد المفروضة عليه، فالعراق تمكن من التخفيف من حدتها في بداية التسعينيات وحتى عام 2003 بفضل عائداته الكبيرة من النفط، أما كوبا فقد تمكنت من الاستمرار في نديتها للولايات المتحدة بفضل دعم المعسكر الشرقي والصين لها على مدى أكثر من ثلاثين عاما ومن ثم دعم فنزويلا الدولة النفطية الغنية. ومن التجارب السابقة يتضح أن الجميع يدفع ثمنا باهظا لهذه العقوبات، سواء على المستوى الرسمي أم الشعبي، إلا أنها في نهاية المطاف تؤدي إلى تضعضع الأوضاع الاقتصادية والمادية وإلحاق خسائر جسيمة بالأفراد والمستثمرين، مما يوجد حالة من التذمر لدى فئات واسعة من المجتمع. وفي الحالة السورية، فإن استمرار الاضطرابات لما يقارب العام ألحق خسائر كبيرة بالاقتصاد السوري، وبالأخص بعد أن توقفت بعض البلدان الغربية عن شراء النفط، حيث كان ذلك بمثابة مؤشر لإصرار المجتمع الدولي على دفع النظام للاستجابة للبدء في القيام بعملية إصلاح حقيقية، إلا أن عدم مرونة القيادة السورية دفع بجامعة الدول العربية لفرض عقوبات قاسية على سوريا ستؤدي إلى المزيد من التدهور الاقتصادي هناك، وبالتالي انهيار النظام، وبالأخص بعد أن انضمت تركيا والعديد من البلدان الإسلامية والغربية إلى العقوبات المفروضة من الجامعة العربية. وسوف تتأثر العديد من القطاعات الرئيسة من جراء هذه العقوبات وفي مقدمتها قطاع النفط والذي يعتبر المصدر الرئيس للعملات الأجنبية، وذلك إلى جانب القطاع السياحي الذي توقف تقريبا وهو معرض للانهيار إذا ما وقفت الرحلات الجوية ضمن العقوبات. أما القطاعان المالي والعقاري، حيث تستثمر دول مجلس التعاون عشرات المليارات فيهما فسوف يعانيان الكثير، إذ أدت الاستثمارات الخليجية في القطاع المصرفي إلى تأسيس أربعة بنوك في سنوات العقد الماضي، ومن ضمنها بنوك إسلامية لأول مرة في سوريا. وفي هذا الصدد أعلن عن وقف استمرار إجراءات إقامة بنوك جديدة، أعلن عنها مؤخرا، كالبنك المزمع إقامته شراكة بين بنك أبوظبي الوطني وبيت التمويل الخليجي، في حين أجلت البنوك الخليجية الأخرى توسعات وخدمات إضافية كانت تنوي القيام بها قبل الأحداث كما قلص كثيرا من الائتمان والقروض المقدم للأنشطة الاقتصادية في سوريا. أما قطاع التجارة الخارجية، فإن التأثيرات السلبية عليه لن تقل شأنا، فتجارة سوريا مع البلدان العربية تبلغ نسبة عالية تتراوح ما بين 45-50% من إجمالي التجارة الخارجية، وإذا ما أضيف إلى ذلك استثمارات وتجارة تركيا التي تعتبر شريكا رئيسا لسوريا، فإن العواقب الاقتصادية ستكون وخيمة. ورغم أن دولا مهمة، كروسيا والصين سوف لن تنضما لهذه العقوبات، كما أن كلا من إيران والعراق يحاولان سد الفجوة الاستثمارية والتجارية، إلا أن واردات سوريا من روسيا تتركز أساسا في تجارة السلاح، في الوقت الذي لا تملك فيه إيران القدرات اللازمة للتعويض عن علاقات سوريا مع العالم العربي. وإذا ما أضفنا إلى ذلك بدء هروب رؤوس الأموال من سوريا، خصوصا عن طريق التهريب إلى لبنان، فإنه سوف لن يمر وقت طويل قبل أن "تنشف" السوق السورية وتصاب بالجفاف وتصبح كالثمرة القابلة للسقوط في أي وقت. ولحسن الحظ استثنت العقوبات العربية تلك المسائل المرتبطة بحياة الناس العادية ورزقهم اليومي، كتحويلات العاملين في الخارج ومنتجات المزارعين والحرفيين وصغار التجار، حيث وجهت العقوبات لصميم الاقتصاد السوري الذي يعتمد عليه النظام ويستمد منه قوته، كالنفط والخدمات المالية والتجارة. والحال أن سوريا اليوم محاصرة اقتصاديا ومعزولة سياسيا ومن المهم ألا تطول فترة العقوبات المفروضة، إذ إن إطالتها ستؤدي إلى تدن مريع في حياة الناس المعيشية، وهو ما لا يتمناه أحد، حيث يتحمل النظام السوري المسؤولية عن هذا التردي بسبب تعنته وتحديه للمجتمع الدولي وتمسكه بأساليب لم تعد مقبولة في عالم اليوم.