16 سبتمبر 2025

تسجيل

أبو بصير وصلح الحديبية

11 نوفمبر 2020

لما اصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش في صلح الحديبية كان من شروط صلحهم أن يقوم المسلمون بإرجاع من جاء من مكة مسلماً إلى كفار قريش فيما يشبه الاتفاقيات الدولية في أيامنا هذه. وفي يوم جاء البطل أبو بصير- عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي - إلى المدينة المنورة بعد فترة وجيزة من كتابة الصلح، وكان يُريد أن ينضمَّ إلى الصفِّ المسلم فراراً بدينه من أهل الكفر بمكة، ولكن القرشيين أرسلوا في طلبه رجلين إلى رسول الله، فقالا له: العهد الذي جَعَلْتَ لنا يا محمد، وفعلا تم تسليم أبو بصير إلى كفار قريش بموجب المعاهدة فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة (مكان قريب من المدينة) نزلوا يأكلون من تمر لهم فاحتال أبو بصير على أحدهما فأخذ سيف الرجل الأول فضربه فقتله، ثم وثب على الآخر الذي انخلع قلبه فلم يجد غير الهروب إلى الرسول فدخل المسجد يعدو، فقال الرسول حين رآه: لقد رأى هذا ذعراً، فلما انتهى إلى النبي قال: قُتل - والله ـ صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم، فقال النبي معجبا بشجاعة وبطولة أبو بصير وَيْلُ أُمِّهِ! مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ (أي أن هذا الرجل سيفعل الأفاعيل لو كان معه رجال)، فلما سمع أبو بصير ذلك عرف أن دولة المسلمين في المدينة لا تستطيع تبنيه أو تبني أفعاله بموجب المعاهدة فاتخذ قراراً كان له كبير الأثر في الأحداث حينها بشكل لم ينتبه له إلا قليل. وذلك أن أبو بصير خرج لوحده حتى أتى سيف البحر (ساحل البحر وهي منطقة محايدة لا تتبع للمسلمين ولا القرشيين) وعسكر هناك، وبدأ يقطع الطريق على قوافل قريش على طريقة حرب العصابات، وقريش لا تقدر عليه، ولا تستطيع أن تلوم رسول الله؛ لأنه ليس تحت سيطرته، ثم سمع بمكانه مسلمون آخرون في مكة، فقرَّرُوا أن يلتحقوا به ليكونوا له عوناً على قطع الطريق على قوافل مكة، ولعلمهم أن شروط الصلح لا تشمله فلحق به أول من لحق به أبو جندل بن سهيل بن عمرو، ثم لحق به سبعون آخرون من المسلمين الذين لا يستطيعون اللحاق بالمدينة لشروط المعاهدة، ولا يستطيعون البقاء في مكة لتعذيب الكفار لهم. وازدادت حدَّة الصدام بشدَّة بين هذه المجموعة المسلمة وبين قوافل قريش.. حتى اضطُرَّت قريش أخيراً إلى الرضوخ وأن تذهب إلى رسول الله، وترجوه أن يُلْحِقَ هؤلاء به، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يُريد فعلا أن يتعايش في سلام مع مَنْ حوله فإنه قَبِلَ بذلك، وضمَّ جماعة أبو بصير إليه، ولو شاء لتركهم يُنَغِّصون على قريش حياتها، ويُضعفون قوَّتها، ويستنْزِفون ثرواتها، ولكنه السمو في التعامل والأخلاق النبوية الكريمة التي نقتدي بها في دولة قطر، فالقيادة القطرية اتخذت الموقف الواضح والمتعايش مع الأحداث ومع الآخر، وهذا يذكرنا كثيرا بموقف الرسول من حيث المرونة في التعامل والنية الصادقة في الخلوص إلى التفاوض والحوار والوصول بجميع الأطراف إلى بر الأمان والسلم والتعايش. كذلك نستطيع أن نرى أن تعنت قريش وتعصبها وموقفها الرامي إلى نبذ الحوار والمكابرة والعنجهية والغرور ولو كان ذلك على حساب أبنائهم هم وانتهى الأمر بنصر مؤزر للمسلمين ولو كره الكافرون، فطوبى لأبي بصير وجماعته ممن ضحوا بالغالي والنفيس من أجل مصلحة المسلمين في موقف امتدحه نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ولو شاء أبو بصير لقال: أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش كرأس الحية المتوقد @ZkvVir