13 سبتمبر 2025
تسجيلثمة حقيقة باتت شاخصة وواضحة في المشهد السياسي العراقي البائس، وهي تلك المتعلقة بالفشل الذريع للعملية السياسية، وبالانهيار الطبيعي والحتمي لحزمة الإصلاحات التي تعهد بها رئيس الحكومة المغلوب على أمره حيدر العبادي والذي ما زال رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي يستخف به علنا ويعتبره للأسف (أحد صبيانه)! في تصريحاته للإعلام.الفشل الذريع عبر عن نفسه بجلاء من خلال قيام البرلمان العراقي بسحب التفويض الذي يخول للعبادي المضي في إجراء الإصلاحات والتي كان واضحا منذ لحظاتها الأولى بأنها إصلاحات ترقيعية لأخير يرتجى منها ولا فائدة ستتحقق من ورائها، وفي ظل التجاهل التام للاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي وصلت لطريق مسدود في ظل انسداد الأفق وقيام عصابات الميليشيات المدعومة بأطراف حكومية بخطف وتغييب الناشطين وفرض الإرهاب على الجماهير، مما أفقد تلك الاحتجاجات قوة الزخم اللازمة وجعلها مجرد ديكور وطلاء خارجي لديمقراطية وهمية فقط لا غير. الوضع العراقي اليوم وبعد بروز الخلافات البينية وتطاحن المشاريع السلطوية، وتفعيل التحالفات الخارجية وصل لمرحلة بالغة الحراجة والدقة، فهنالك حالة تحشيد وتعبئة وتجييش بين الأطراف المتصارعة، كما أن هنالك ضغوطا إيرانية واضحة وصريحة باتجاه تعزيز ومساندة معسكر رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي الذي ما زال يبشر بإمكانية عودته القوية للسلطة وسحب البساط من تحت أقدام العبادي الذي هرع للنجف ليلتقي أهل الحل والعقد هناك ويحاول تحصين نفسه (طائفيا) من مغبة أي انقلاب سلطوي طارئ باتت كل الظواهر والمؤشرات تقترب من حافاته الخطرة، فثمة معلومات مؤكدة عن ممارسة الحرس الثوري الإيراني لضغوط هائلة على حيدر العبادي من أجل إبقاء نوري المالكي في منصب نيابة رئيس الجمهورية الفخري دستوريا ولكنه الفاعل في الحالة المالكية، نظرا لهيمنة المالكي شبه المطلقة على المؤسستين الأمنية والعسكرية اللتين هما طوع بنانه وحيث أشرف شخصيا من خلال حقبة حكمه الطويلة (2006/2014) على كل جزئيات بنائهما، وهي الحقيقة التي يدركها حيدر العبادي والذي بعد إجراءات البرلمان بسحب تفويضهم له أضحى وحيدا ومعزولا في ظل التربص الإيراني الواضح بكل خطواته من خلال جماعة الحشد الشعبي وشكوى قيادته الموالية بالمطلق لإيران من نقص التسليح والتجهيز والتمويل، رغم أن القوات الضاربة للحشد والتي تخضع لأوامر قائدها الأعلى السردار الإيراني قاسم سليماني هي أقوى من الجيش الحكومي العراقي.الوضع اليوم يتجه لصدام حتمي قريب قد تكون إمكانية تجنبه بمثابة معجزة، فالخلاف بين أطراف التحالف الوطني الحاكم عميق ومتجذر منذ عقود سبقت احتلال العراق، والهزائم الإيرانية المريرة في الشام وانهيار جنرالات الحرس الثوري هناك من أهم الأسباب الدافعة لهيمنة إيرانية مطلقة على العراق الذي يعتبره مخططو الإستراتيجية الإيرانية في الشرق اليوم بمثابة خط الدفاع الأخير عن تخوم النظام الإيراني والذي وفقا لتصريحات الجنرال يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري للولي الفقيه يخشى من انتقال المعارك للعمق الإيراني!!، وهو ما يدفع قيادة الحرس الثوري لتشديد قبضتها القوية على العراق ولو اضطرهم الأمر للدخول في معركة داخلية شرسة ستقصي التيار الذي يحاول إبراز استقلالية عن النفوذ الإيراني.الحصون والمواضع للمواجهة القادمة قد تم حفرها وسيحدث الصدام الكبير ما لم ينسحب العبادي ويعود المالكي المسلح بالدعم السياسي الإيراني وبقوة سلاح ورجال الحشد الشعبي الموالين أصلا للقيادة الإيرانية، ولجوء حيدر العبادي لمرجعية النجف أمر لن يوفر له الحصانة التي يبتغيها في ظل رياح المواجهات الإقليمية الشرسة في المنطقة، وحتمية الانهيار القريب للنظام السوري وتبدل معادلات وموازين الصراع والتحالفات أيضا، الحكومة العراقية تعيش حاليا في ربع الساعة الأخير وفي مرحلة الهدوء الذي يسبق العاصفة العاتية القادمة. كل الدلائل والإرهاصات والمؤشرات تتجه نحو خيارات دموية مروعة سيشهدها العراق وبما سيعزز حالة الفوضى ويرسم مساحات جديدة من العنف الدموي المرهق بات للأسف حتميا، تصفيات واغتيالات كبرى في الطريق، والسيناريو الكارثي القادم القريب سيكون مرعبا بتداعياته ونتائجه.. فهل ستتحقق المعجزة ويجنح العراق لمرفأ السلم الأهلي، أم أن الأمور قد خرجت عن السيطرة وهو يعيش العد التنازلي الأخير باتجاه الكارثة؟..هذا ما سنلمسه في القريب العاجل.