15 سبتمبر 2025
تسجيلالمواقف الصادقة الأصيلة ليست كلمة عابرة أو رأيا في مجلس ينفض فتُنسى. وإنما المواقف الصادقة هي الثبات على الرأي والصمود في مناصرة الحق مهما تغيرت الظروف والأحوال، ومهما كانت الضغوط والمحاذير. لقد أبرزت القضية الفلسطينية، وخصوصا الأزمة الحالية، كيف تمايزت وتباينت مواقف أطراف عربية بين الأصيلة الصادقة والكاذبة المنافقة. ففي الوقت الذي غيرت فيه دول وكيانات تدعي العروبة والإسلام موقفها من القضية الفلسطينية من التأييد التام إلى النقيض التام، من تشجيع المقاومة ووصفها بالبطولة إلى إنكارها ونعتها بالارهاب، حتى بات يطلق عليها «صهاينة العرب» مصداقا لنبوءة المفكر العربي المصري الراحل عبدالوهاب المسيري، بقيت دول أخرى وإن كانت قليلة على العهد ولم تغير أو تبدل مواقفها بل زادت تمسكا بها وإصرارا عليها برغم الضغوط الكبيرة وبرغم الأثمان الغالية التي دفعتها في سبيل الحفاظ على مواقفها الأصيلة تلك. قطر وعدد قليل آخر من الدول العربية كانت من بين تلك الأطراف التي حافظت على عهدها وكلمتها وموقفها. وكانت الحرب غير العادلة الجارية حاليا كاشفة لذلك الموقف المستحق للتقدير. وهي أي قطر لم تقْصُر موقفها على مجرد إعلان التأييد للفلسطينيين ومقاومتهم الباسلة بل بدأت على الفور، وكما هي حالها عند كل أزمة، في إجراء اتصالات مع كل الأطراف المعنية لوقف إراقة الدماء واحتواء الصراع. وفي حين سارعت الدوحة مبكرا إلى إعلان رفضها لهذه الحرب وتحميل الطرف الإسرائيلي مسؤولية ما يجري، فصدقت في موقفها واتسقت مع تاريخها المشرف في هذا الصدد، تضامنت بعض الأطراف التي تدعي العروبة مع العدو الغاشم لدرجة أن تل أبيب وجهت الشكر لها. وبالمثل كانت قناة الجزيرة، التي تشرفت بالعمل بها عشر سنوات، لم تخرج فيها ولو لمرة واحدة عن نصرة المظلومين والمضطهدين في بلاد العروبة والإسلام وفي كل مكان. ولم يتدخل خلالها أي مسؤول مهما كانت سلطته في تغيير أي خبر أو التلاعب في محتواه. وها هي الجزيرة تؤكد مرة أخرى صدق مواقفها وثبات عزيمتها على أن تظل صوت من لا صوت له مهما كانت التحديات والتهديدات، ومهما كانت التضحيات التي تقدمها وبخاصة مراسليها الأبطال في مواقع الأزمات، والذين يوفرون الفرصة للعالم وللتاريخ لأن يعرفوا الحقيقة كما هي قدر الإمكان بعيدا عن التزييف والتزوير والتشويه الذي تصنعه وسائل إعلام العدو ووسائل الإعلام في الدول التي تدعي الديمقراطية والحياد وهي أبعد ما تكون عنه. وفي الوقت الذي أطلق فيه أشخاص ووسائل إعلام في دول تسمى عربية تغريدات ورسائل تعبر عن الثقة في العدو المحتل، وفي حين أعرب مسؤول أمني في إحدى تلك الدول عن أسفه لأن إسرائيل لم تستمع لتحذيرات قدمتها دولته من عمل كبير ستقوم به حماس، نقلت الجزيرة وعدد محدود من القنوات تقديرات خبراء ومحللين بينهم إسرائيليون، تتحدث عن خيبة ما يسمى الجيش الإسرائيلي. وكان من هؤلاء رئيس الموساد السابق أفراييم هاليفي الذي وصف، في حديث مع سي إن إن العملية العسكرية لحماس بأنها نجاح كبير على مستويات عدة وفشل كبير للاستخبارات الإسرائيلية. وكان منهم أيضا توماس فريدمان الكاتب الأمريكي اليهودي الذي سخر من اختراق حماس، بسهولة، لما سماه خطا دفاعيا بنته إسرائيل بمليار دولار، محملا رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو ووزير عدله مسؤولية الفشل في التصدي لعملية حماس التي وصفها كما وصفتها الإيكونوميست بأنها «تُدرس». وبينما شكك «صهاينة العرب» في صمود المقاومة شككت مواقع أمريكية، منها «برايتون» في بقاء إسرائيل قائلة إن استمرار وجودها بات في خطر. هنا، وبرغم بعض التحفظات التي وجهت للجزيرة لاستضافتها متحدثين إسرائيليين، يتضح أن الجزيرة وقليل من القنوات، وقطر وقليل من الدول صدَقَت الوعد والعهد بينما كذب كثيرون آخرون، وهذا ما لن ينساه التاريخ.