16 سبتمبر 2025

تسجيل

أسرار مجهولة عن العدوان الثلاثي على مصر

11 أكتوبر 2021

أكتوبر 1956 – أكتوبر 2021 غريب أمر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فبعد 65 عاما من أحداثه لا تزال تلك الحرب تسيل الحبر وتطرح الاسئلة وتثير المفاجآت. وآخر ما صدر حول ذلك العدوان هو كتاب لمؤرخ اسرائيلي اسمه «موتي جولاني» الذي صدر في امريكا وبريطانيا تحت عنوان «اسرائيل تبحث عن حرب». وصدر اخيرا في باريس عن مؤسسة نشر «دي روسي» تحت عنوان مختلف هو «حرب سيناء». وتبارى مؤرخون وجامعيون اوروبيون وامريكيون للتعريف بالكتاب وقامت المجلات الاكاديمية المحترمة بالثناء عليه كمرجع وثائقي يعيد الحقائق التاريخية الى منطلقاتها. والجديد في الأمر ان هذا المؤرخ الاسرائيلي كان أول من قرأ الوثائق الاسرائيلية والفرنسية بعد الافراج عنها من قبل الدولتين الحليفتين في تلك الحرب القذرة. فالوثائق حسب القانون الاسرائيلي تحظى بطابع السرية التامة الى ان قرر رئيس الوزراء الاسرائيلي وضعها على ذمة الباحثين. ولا تنضبط دولة اسرائيل في ذلك الا بضوابط مصالحها الاستراتيجية فإذا ما قررت الحكومة ان وثائق حرب 48 او وثائق عدوان 56 او حرب 67 او حرب 73 يمكن ان تخدم الة الدعاية الصهيونية فهي ترفع عنها خاتم السرية وتوظفها لضرب معنويات الشعب الفلسطيني والعرب حسب مخططات يسهر عليها جامعيون اسرائيليون متعاملون مع جهاز المخابرات والدعاية. اما في فرنسا فالأمر مختلف لأن الكشف عن الوثائق يخضع لقانون النصف قرن فبعد واحد وستين عاما يمكن ان يدعى الجامعيون الى الاطلاع على الوثائق واستغلالها حسب تخصصاتهم. وهكذا فعلت الحكومة الفرنسية مع وثائق العدوان الثلاثي بعد اتمام نصف القرن مع استثناء، لأن الادارة الفرنسية تعتقد ان هذه الوثائق يمكن ان تساعد على دفع خط السلام الاسرائيلي العربي الى الامام. او ربما لتبرئة ساحة الدولة الفرنسية بإلقاء تبعات ذلك العدوان على بعض الساسة اليساريين الذين امسكوا بدفة الحكم في الخمسينيات. على كل نشر هذا المؤرخ الاسرائيلي جملة من الوثائق والصور الفوتوغرافية قبل العرب بل ان العرب الذين كانوا طرفا بل ضحية لذلك العدوان لم يطلعوا على الوثائق ولم يستخلصوا منها العبرة. قامت المجلة الفرنسية «مغامرات التاريخ» بنشر اهم هذه الوثائق والصور تحت عنوان: «اسرار السويس» وبعنوان فرعي مطول يقول: «في عام 1956 كان الفرنسيون متورطين في حرب الجزائر وكان الاسرائيليون خائفين من الفناء في المستقبل وكان البريطانيون حالمين بالعودة للشرق الاوسط وتعاون ثلاثتهم ضد عبدالناصر لأنهم يعتبرون مصر عدوتهم الاولى والنتيجة فشل ذريع». هكذا قدمت المجلة هذه الوثائق، اما الوثائق في حد ذاتها فهي هامة جدا واذا تجاوزنا العدوان ذاته واحداثه المعروفة فإننا نكتشف عناصر جديدة. فالأحداث هي تحالف الدول الثلاث ضد مصر لكن الوثائق تؤكد ان اسرائيل هي التي خططت العدوان وجرت معها كل من فرنسا وبريطانيا لتغطية عدوانها على مصر!. تقول الوثائق ان الفكرة الاولى للهجوم عبر عنها الجنرال موشي دايان الذي شغل منصب القائد العام للقوات المسلحة من 1953 الى 1956 وكان يعتقد ان هجوما وقائيا على مصر سيحقق بقاء اسرائيل «المهددة» ولكنه كان يؤمن انه لابد لاسرائيل من حليف قوي لا يمكن ان يكون غير فرنسا التي تعاني من حربها الجزائرية وتشكو من المساعدات العسكرية والسياسية والاعلامية التي يتلقاها المجاهدون الجزائريون من عبدالناصر وكان دايان يحاول اقناع ديفيد بن جوريون مؤسس الدولة العبرية بأهمية بل وحتمية تدمير السلاح المصري وفتح قناة السويس وضرب زعامة عبدالناصر العائد منتصرا من قمة دول عدم الانحياز التي انعقدت في باندنج عام 1955 والذي كان يساعد الجنرال دايان في مهمة الاقناع رجلان اسرائيليان هما: ارييل شارون الذي كان يقود اللواء 202 للجيش الاسرائيلي وشيمون بيريز الذي كان مديرا لمكتب رئيس الوزراء موشي شاريت. تقول الوثائق على لسان المسمى (ابيل توماس) مدير مكتب وزير الدفاع الفرنسي «ورجس مونودي» ان شيمون بيريز يعتبر كذلك من اقرب مساعدي مؤسس الدولة العبرية ديفيد بن جوريون وقد قام بزيارة سرية الى باريس في يوم من ايام شهر اغسطس 1956 وقابل صديقه الصحفي الفرنسي من اصل يهودي (ادوارد سابليي) وسأله: من هم اصحاب القرار الحقيقيون في باريس؟ وقام (سابليي) بإعداد قائمة بأهم رجالات الحكومة والجيش والمخابرات وسلمها الى بيريز وكان بيريز يقول في باريس: انها قضية حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل وان عبدالناصر حصل على طائرات ميج وهو يستعد لغزو اسرائيل وتدميرها. وتضيف الوثائق كذلك ان (ابيل توماس) مدير مكتب وزير الدفاع الفرنسي هو الذي توسط لإسرائيل في ثلاثة ملفات كبرى مع فرنسا وهي: 1 ـ اشتراك فرنسا في العدوان الثلاثي. 2 ـ تسليح الجيش الاسرائيلي من قبل فرنسا. 3 ـ الاشراف على البرنامج النووي الاسرائيلي وبناء مفاعل ديمونا. وتضيف الوثائق شارحة النقطة الثانية اي التسليح فتقول: لقد جاء شيمون بيريز ومعه قائمة طويلة عن احتياجات اسرائيل للسلاح فاذا بها قائمة عجيبة لأن الطرف ـ او الحليف ـ الفرنسي لم يكن يتوقعها، وهي تضم احتياجات اسرائيل التالية: ـ 270 طائرة حربية من طراز ميستير. قررت الحكومة الفرنسية ارسالها على ثلاثين دفعة كل دفعة تضم تسع طائرات خلال ثلاثة أشهر. وتقول ان هذه الطائرات وصلت الى اسرائيل في نطاق السرية والكتمان حتى الامريكان لم يكونوا على علم بالصفقة بالرغم من ان الرادارات الامريكية اكتشفت احدى هذه الدفعات من احدى محطاتها بإيطاليا في ميناء (برنديزي) وخاطبت القيادة الامريكية وزارة الدفاع الفرنسية فأجابها وزير الدفاع (بونوري) ان الامر لا يعدو ان يكون استعراضا جويا في سماء فرنسا بطائرات ميستير. وتضيف الوثائق ان الغريب في الامر هو ان سعر هذه الطائرات كان مدفوعا ـ كاش ـ بالدولار الامريكي مما مكن المصنع الحربي الفرنسي «مارسال داسو» من الانطلاق بالصناعة الحربية الجوية الفرنسية انطلاقتها الكبرى لمزاحمة الصناعة الأمريكية. ومن غرائب الاسرار ان الجنرال (ديجول) كان على علم وكان يلح على اشراك بريطانيا في العملية وكان رئيس الحكومة البريطانية آنذاك هو (انتوني ايدن) ووزير خارجيتها (سولين لويد) وهما من المتعاطفين التقليديين مع اسرائيل. والذي يتأمل الصور المنشورة يتأكد من صحة كل هذه الاسرار ويدرك ان العدوان الثلاثي كان بإرادة اسرائيل وتسهيلات كبرى فرنسية وبريطانية، اما ما جاء بعده من تهديد امريكي واخر سوفييتي فهو لم يفد شيئا لأن المعادلة أو الغاية كانت اضعاف عبدالناصر وتغيير قواعد اللعبة الشرق أوسطية على مدى جيل كامل. واني أتساءل: أين المؤرخون العرب وأين مراكز البحوث والدراسات العربية؟ ولماذا لم تتحرك جامعاتنا للافادة من هذه الوثائق وقراءتها وإطلاع الرأي العام العربي عليها بل واستخلاص العبرة الكبرى منها خدمة للمستقبل وتوضيحا لملابسات احداث هامة لها تأثير مباشر على ما يجري اليوم على ارض فلسطين من تدمير وابادة وتقسيم للصفوف العربية؟ أين العرب؟. [email protected]