12 سبتمبر 2025
تسجيلللأسف نحن في العالم العربي نفكر في الأزمات أكثر مما نفكر بحلها، وندخل في التفاصيل الوصفية للمشاكل والمعضلات، دون أن نطرح حلولا عملية لها، ما يضعنا في جوف العاصفة بل العواصف العاتية.المشاكل التي نعاني منها في العالم العربي هي: الاستبداد والظلم واحتكار الحكم والسلطة والفساد والفقر والبطالة والغرق في الديون وانهيار المنظومة الأخلاقية وتراجع المستوى التعليمي وتدهور الخدمات العامة، وعلى رأسها الخدمات الصحية، وتفشي البيروقراطية التي تحولت إلى غول يأكل الأخضر واليابس. والارتهان الأجنبي، وتقديم مصالح الدول الاستعمارية على مصالح العرب.بالطبع فإن الدول العربية تتفاوت في المقدار الذي غرقت فيه من الأزمات، فهناك دول عربية يمكن وصفها بأنها "دول فاشلة" حيث لا شيء فيها يعمل، وهناك دول عربية نصف فاشلة، وهناك دول عربية تعاني من مرض واحد أو اثنين من هذه الأمراض القاتلة. إلا أن القاسم المشترك بين الدول العربية جميعها، أنها تعاني بشكل من الأشكال.السؤال هو: كيف نخرج من هذه الأزمات؟ والجواب سهل جدا من الناحية النظرية، علينا أن نتخلص من الفساد أولا. ولكن كيف نتخلص من الفساد وهو عبارة عن منظومة تعمل بكفاءة قل نظيرها؟علينا قبل كل شيء أن نعرف الفساد في الحياة العربية قبل أن نشرع بتوصيف العلاج، وعدم تداول السلطة، واحتكار الثروات والواسطة والمحسوبية والشللية، وتقديم الولاء على الكفاءة، والاستيلاء على المال العام، والارتهان للأجنبي وقبول وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، واستيراد الوصفات الفكرية الأجنبية من دون تمحيص، واعتماد "روشتات" جاهزة لمؤسسات غربية لا تعرف شيئا عن العرب وعالمهم، تورطهم أكثر مما تحل مشاكلهم، يدخل في تعريف الفساد، الذي يمكن أن نضيف إليه عناصر أخرى كثيرة.الانقلابي السيسي استخدام تعبير "شبه دولة" ليصف مصر، والرئيس المنصف المرزوقي استخدم تعبير "الديمقراطية المغشوشة" ليصف الوضع في تونس، إذن الحالة العربية تتراوح بين "الشبه" و "والمغشوش"، وهي تعبيرات أخرى يشير كل منهما إلى معنى واحد فقط وهو "الفساد"، ولذلك فإننا نحتاج إلى الخروج من "الشبه والمغشوش"، أي الانتقال من الزيف إلى الحقيقة.الحقيقة هي أننا نحتاج إلى تداول السلطة، والتوزيع العادل للثروة، والتوزيع العادل للمعرفة، وإعادة الأموال العربية إلى الخزائن العربية، نحتاج إلى انتخابات حقيقية وتمثيل حقيقي للشعب، نحتاج إلى إصلاح التعليم والجامعات، ونحتاج إلى ترميم الحالة الأخلاقية للناس للخروج من دائرة " التشبيح والبلطجة والهمبكة"، ونحتاج أن يغادر المسؤولون العرب مربع "حالة الإنكار" لرؤية الواقع كما هو.العلاج يبدأ من الحرية، وبدون الحرية لا يمكن للعرب أن يتقدموا خطوة واحدة للأمام، وبدون الحرية لن تتحسن أنظمة الحكم العربية ولن نحصل على تعليم أو إعلام جيد، ولن نكون قادرين على بناء الوعي اللازم للنهوض من جديد، والتخلص من الهزائم وتكالب الأمم علينا كما تتكالب الأكلة على قصعتها.الحرية أولا.. الحرية أخيرا.. وإلا فإن العالم العربي سيغرق في المزيد من الدم والدماء والتخلف والتبعية للاستعمار، أو حتى الوقوع تحت الاستعمار العسكري المباشر كما يحدث في أكثر من دولة عربية.