12 سبتمبر 2025

تسجيل

صورة لافتة في الزلزال!

11 سبتمبر 2023

في أعقاب زلزال المغرب الأخير بقليل، انتشرت الكثير من الصور المؤلمة والمؤثرة لضحايا الزلزال. جثث متناثرة، ومصابون في كل مكان، وبيوت مهدمة، ودموع ودماء كثيرة. بالإضافة الى لقطات يجتهد الصحفيون والمصورون في استخراجها من سياق الموت والعويل والدماء والدمار وهو السياق المتوقع في أعقاب كل زلزال يضرب مكانا ما في العالم، لتكون من الصور المختلفة والجديدة وغير المتوقعة. هذه المرة كانت الصورة الأولى التي خرجت من السياق في لحظات الزلزال الأولى صورة مراهق يحمل شيئا ما! فقد انتشرت صورة مؤثرة لمراهق خرج من منزله بشكل مفزع هربا من الزلزال وهو لا يرتدي إلا قطعة واحدة من ملابسه الداخليه حافي القدمين، وهذا شيء متوقع ومألوف بالتأكيد، ولكن غير المتوقع أنه كان حاملا بين يديه شيئًا واحدًا فقط، وهو جهاز بلايستيشن للألعاب الإلكترونية. قد يبدو هذا المشهد غريبًا لبعض الأشخاص، خاصة أن معظم من نشر الصورة علق عليها بشكل ساخر، ولكنه في الواقع يكشف عن القيمة التي يعطيها الجيل الحالي لهذه الأشياء، التي ربما لا يرى فيها الكبار ممن غادروا مرحلة المراهقة والشباب إلا نوعا من الجنون الذي ترعرع في البيوت خلسة!. وبعيدا عن المشاهد المؤلمة والمؤثرة التي التقطت في المناطق المتضررة من الزلزال، إلا أن ذلك المشهد العابر كان مختلفا جدا باعتباره واحدا من المشاهد التي تعكس تغيرا حقيقيا في أولويات الشباب وتحولا في تصورهم للأشياء المهمة بالنسبة لهم، فهذا الجهاز الذي لا يعرفه من هو في عمري سوى أنه لعبة يتسلى بها الأطفال والمراهقون، اكتسبت قيمة حقيقية في وجودهم الإنساني، وأصبحت، وفقا للشواهد الكثيرة، تمثل لهم جانبا حقيقيا من جوانب الحياة وليس مجرد مشاهد افتراضية يشاركون في تحريكها على الشاشاة وفق ما يحلو لهم ويساهم بإثارة حماستهم فيما بينهم!. ومن الواضح أن هذا التحول في الأولويات، على صعيد الاهتمامات الترفيهية التي لم تعد مجرد ألعاب وتسال، يعكس تقدمًا تكنولوجيًا هائلاً من جهة، وتأثيرا متعاظمة لتطبيقات التكنولوجيا على حياة الأجيال الجديدة كما ينبغي أن يعيشوا هذه الحياة. فهذا المراهق الذي داهمه الزلزال وهو في بيته، كما بدا واضحا من قطعة الملابس الداخلية التي يرتديها، لم يجد شيئا يستحق أن يشاركه رحلة محاولة النجاة من مخاطر الزلزال سوى جهاز الألعاب، الافتراضية، وهنا تكمن واحدة من مفارقات المشهد. فتلك اللعبة التي نصفها بأنها افتراضية استحقت من وجهة نظر هذا المراهق وقناعته أن تكون وجودا حقيقيا يستحق النجاة من مخاطر الزلزال أكثر من أي شيء آخر كان قادرا على إنقاذه، باعتبارها واحدة من وسائله الخاصة للتعبير الفردي والتطور الشخصي في منافساته مع الآخرين الذين يشاركونه الشغف ذاته واللعب نفسه حول العالم كله!. الأمر ليس تافها إذن وهو ليس مدعاة للتندر والسخرية بقدر ما هو إشارة للجميع ينبغي تلقيها وقراءتها بدقة، لنعرف أن هذا التحول السلس في الأولويات لدى الفرد يعكس مفهوما جديدا للحياة لديه، وهو ما سيجعله يعمل لاحقا وفقا لهذا المفهوم في سبيل تحقيق كل ما يتمناه في هذه الحياة كما يفهمها هو وجيله. ولذا علينا أن نتفهم ونقدر التغيرات التي يشهدها العالم وأولويات الأجيال المختلفة بصورة أخرى تجعلنا لا نرى في صورة الشاب الذي انقذ لعبته من الزلزال صورة لافتة وغريبة في سياقها. وقد يكون من المفيد أن نبذل جهودًا لفهم الاهتمامات والقيم التي يحملها الأفراد في مجتمعنا، وأن نبني جسوراً للتواصل والتفاهم بين الأجيال المختلفة. من خلال ذلك، يمكننا تعزيز روح التسامح والتعايش في المجتمع والاستفادة من التقدم التكنولوجي والثقافي الذي يحققه الجيل الحالي.