13 سبتمبر 2025

تسجيل

لن يغير من الواقع شيئا!

11 سبتمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مرّ عقدان تقريبا على ظهور بنيامين نتنياهو كلاعب مؤثر في السياسة الخارجية الإسرائيلية، والثابت في كل تصريحات نتنياهو منذ أن نُصّب رئيسا للحكومة أول مرة في عام 1996 أنه مستعد للالتقاء بالجانب الفلسطيني من دون شروط مسبقة. غير أن هذا الاستعداد استخدم وما زال كسحابة دخان لإخفاء خداع إستراتيجي تمارسه القيادات الإسرائيلية، وهو خداع يهدف إلى شراء الوقت وإدارة الصراع بدلا من حله لخلق واقع ديمغرافي مختلف لخلط الأوراق في الأراضي المحتلة.وقبل يومين أخبر نتنياهو نظيره البريطاني ديفيد كاميرون بأنه مستعد لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني مباشرة ومن دون أي شرط مسبق مهما كان نوعه، فبالنسبة لنتنياهو فإن الشرق الأوسط يتهاوى بفعل التطرف "الإسلامي" الذي تمثله داعش من جانب والميليشيات الشيعية التي تقودها إيران. ويرى نتنياهو أن الجرائم التي ترتكبها داعش والميليشيات الشيعية تهدد الاستقرار في المنطقة، والمفارقة أنه لا يرى بأن سياسة بلده القائمة على التنكر لحقوق الفلسطينيين كأحد أهم أسباب عدم الاستقرار في المنطقة برمتها، وربما قيام 107 آلاف بريطاني التوقيع على عريضة على الشبكة العنكبوتية مطالبين بإلقاء القبض على نتنياهو على خلفية حرب غزة الأخيرة لرد واضح بأن إسرائيل بقيادة اليمين المتشدد لا يمكن لها أن تكون إلا عنصر عدم استقرار.ومؤخرا، لا يبدو أن هناك من يأخذ ما يقوله نتنياهو على محمل الجد، والملفت أنه سبّب انتكاسة في علاقاته مع الولايات المتحدة واستطاع أوباما أن يلحق به هزيمة ساحقة في الملف النووي الإيراني، فمحاولات نتنياهو بتصوير أوباما وكأنه يفرط في أمن إسرائيل بالتوقيع على الاتفاق مع إيران باءت بالفشل حتى عند المجتمع الإسرائيلي الذي كشف آخر استطلاع للرأي أجراه معهد تامي شتايمتس الإسرائيلي بأن 68% من الإسرائيليين يعتقدون بأن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بأمن إسرائيل. وكل المؤشرات تظهر بأن أوباما ضَمن العدد المطلوب من أعضاء مجلس الشيوخ لتمرير الاتفاق مع إيران ما يعني الفشل الكامل لجهود نتنياهو.وعودة على بدء، فلا يمكن للجانب الفلسطيني أن يشعر بالاطمئنان من أن نتنياهو يعني ما يقول لأن الأهم فلسطينيا ليس الالتقاء بالإسرائيليين وإنما لأي غرض، فهل استئناف المفاوضات مع نتنياهو سيفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود الرابع من حزيران؟ المعطيات السياسية الإسرائيلية وكذلك ما يجري على الأرض من استيطان تعني شيئا واحدا: لم يعد هناك شريك إسرائيلي يقبل عمليا بحل الدولتين. بمعنى آخر، فإن أي لقاء مع نتنياهو سيساعد الأخير في الخروج من حالة العزلة في خضم اشمئزاز دولي من الجرائم الإسرائيلية في الحرب الأخيرة وحتى في استمرار الاحتلال.الحفاوة التي استقبل بها بنيامين نتنياهو في لندن لم تساعد الغرب في الظهور بمظهر الشريك وإنما تبعث برسالة مفادها أن الغرب يكيل بمكيالين، فكيف يمكن انضمام بريطانيا في الحملة الدولية ضد داعش وبنفس الوقت تحتضن ما يعتبره العرب والكثير من الأحرار في العالم مجرم حرب؟! هذا السلوك يكشف أن الغرب ما زال منافقا فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، فهذه هي بريطانيا العظمى تحتفي بنتنياهو وهذه الولايات المتحدة تقيم تحالف الأمر الواقع مع إيران في العراق وتمنع من سقوط حليف طهران في دمشق!المفارقة بأن الغرب هو من ابتدع فكرة ضرورة البدء بخطوات وإجراءات خلق الثقة كمتطلب أساسي لإقناع طرفي النزاع بإلقاء السلاح وحل الصراع سلميا، وقد آمن الكثير من العرب – بمسحة سذاجة – بهذا المنطق وبدأ الضغط على الفلسطينيين لإبداء حسن النوايا وهو ما حصل في غير مناسبة. بالمقابل، غض الغرب بصره عن الاختراقات الإسرائيلية الممنهجة على أساس أن لإسرائيل "حق الدفاع عن النفس" ضد "الإرهاب" الفلسطيني وأن ما تقوم به لا يدمر إجراءات بناء الثقة! لذلك أشك في أن إدلاء نتنياهو بمثل هذا التصريح في لندن سيغير من قواعد اللعبة المستندة إلى التضليل والذي بدوره يأتي كنتاج للخلل في توازن القوى وسيطرة اليمين الإسرائيلي على مفاصل اتخاذ القرار في تل أبيب.أمام هذا الواقع الكئيب والحصاد المرّ لا يمكن إعفاء القيادة الفلسطينية من مسؤولية الفشل في تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، فلا يمكن لعاقل أن يتفهم استمرار الانقسام الفلسطيني وكأن القدس محررة، فالصراع السوريالي في السياسة الفلسطينية يزود – وللأسف الشديد – الجانب الإسرائيلي بحجج تحتاجها تل أبيب للاستمرار في لعبة الخداع الإستراتيجي التي يدفع ثمنها الفرد الفلسطيني والأرض الفلسطينية. وسيكون من المحزن أن تحاول قيادة الرئيس عباس التقاط ما يقوله نتنياهو كورقة في الصراع الفلسطيني الداخلي.باختصار، وبعيدا عما يقوله نتنياهو فإن الطريق الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين هو تصليب الجبهة الداخلية ولا يمكن لهذا أن يتحقق من دون إظهار جدية في المصالحة الفلسطينية، فالمطلوب مصالحة حقيقية تضع التحرر هدفا مشتركا لا مصالحة شكلية تهدف إلى تسجيل النقاط لصالح هذا الفصيل ضد ذاك الفصيل.. وربما على كاهل الجانب الفلسطيني تقع مسؤولية فك شيفرة تصريحات نتنياهو ومراميها والاستعداد لذلك، فهناك قراءات تفيد بأن أوباما معني بترميم العلاقات مع إسرائيل بعد أن نجح في تمرير الاتفاق وأن لمثل هذا الموقف انعكاسا واضحا على الملف الفلسطيني قد لا يسعد المتفائلين بحل يلبي الحد الأدنى من مطالب معسكر الاعتدال الفلسطيني.