15 سبتمبر 2025

تسجيل

محاولات فك شفرات العالم المعقد

11 أغسطس 2016

كلمة حق رائعة قالها البابا فرنسيس يوم الأحد الماضي 31 يوليو وهو في طريق عودته من مهرجان الشباب المسيحي بمدينة كراكوفي البولونية إلى روما: كلمة من أعلى سلطة روحية في المسيحية قال: إياكم والخلط بين الإسلام والإرهاب فالإرهاب عرفته كل الأديان والإسلام براء منه وأضاف الحبر الأكبر بأن النظام العالمي الجائر المؤسس على المال هو الإرهاب الأول والأخطر وجاءت كلمته تلك كالصفعة على وجوه اليمين العنصري الغربي والأقلام العربية التي تتهم الإسلام بالإرهاب. أعتقد أن البابا فك شفرة من شفرات العالم الحديث الموصد وما أشبه الأحداث الفاجعة التي تهز العالم اليوم بلعبة إلكترونية على كمبيوتر لن تفهم ألغازها إلا إذا حصلت على الكلمة السرية (الباسوورد) فإذا ببعض الأسرار الغامضة تبدو أمامك مفهومة وإذا بالمجهول ينفتح لك مثل مغارة على بابا لكن قليلا من المحللين حاولوا فك الشفرات لأن أغلب الناس حتى أهل السياسة والثقافة منهم ركنوا إلى الراحة والكسل بل واستقال من بينهم الكثير من التفكير وأثروا الوهم والتخدير ومن ثم خطأ الرؤية وسوء التقدير. كيف نربط بين أحداث تبدو لا رابط بينها تحدث في عالم معقد لا منطق في مساره مثلما وقع في قرية صغيرة آمنة في شمال فرنسا أقدم فيها شابان بل مراهقان إرهابيان بذبح قس عجوز لا صلة له بتعقيدات العالم وأخطار الواقع ومثلما وقع في مطار إسطنبول من قتل عشوائي للمسافرين الأبرياء ووجود علاقة بين الإرهابيين وبين ملف الشيشان ثم ما حدث من محاولة الانقلاب في تركيا وفشلها وصلة أطراف خارجية بهذا الانقلاب والصلة موجودة بين جميع هذه المصائب وبين التنسيق المتواصل بين العملاقين الأمريكي والروسي حول إدارة أزمات العالم وآخرها اللقاء الذي جمع يومي 14 و15 يوليو في موسكو بين الوزيرين كيري ولافروف حيث أعلنا عن وحدة الرؤية لديهما فيما يتعلق بمسيرة السلام في سوريا ربما تحت ضغط وتأثير المشاهد الدرامية لسكان حلب ومنبج وخشية الدول الأوروبية من موجات هجرات جديدة نحو الجنة الموعودة والمفقودة وفي ملف آخر صدرت إدانة سياسية الأسبوع الماضي ضد رئيس الحكومة البريطانية الأسبق توني بلير عن لجنة برلمانية تحمل اسم رئيسها السيد (شيلكوت) وثم على صعيد مختلف يسجل المراقبون حالة متردية في مخزون المصارف الأوروبية عموما والإيطالية خاصة وحتى الألمانية المعروفة بصلابتها مع إعلان بنك (إتش أس بي أس) عن أخطاء نقدية وتعاملية سوف تؤدي به ربما إلى الإفلاس بعد أن اضطرته إلى إغلاق مئات من فروعه وتسريح 5000 موظف، والنقدي وسوء إدارة النظام العالمي الذي تتصرف في مساراته (السيتي) أي سوق المال اللندنية وهي أقوى من (وول ستريت) وأقدر على المناورة. فهل نحن إذن في منعرج إستراتيجي محدق بالمخاطر شبيه بمنعرج أزمة العالم سنة 1929 والتي كانت السبب المباشر في اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) والتي دمرت القارات الخمس تحت شعارات النازية الهتلرية والفاشية الموسولينية والغطرسة الإمبراطورية اليابانية والعقيدة الرسالية للولايات المتحدة آنذاك. وكانت النتائج المدمرة للبشرية بإبادات جماعية ودك المدن على رؤوس الشعوب ثم إنهاء الحرب بإلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتين آمنتين في اليابان. هذا السيناريو الذي يبدأ بأزمة اقتصادية تتبعها أزمة أخلاقية ينتهي بتفجير حروب إقليمية لا تفتأ أن تتوسع إلى كل بؤر الأزمات والصراعات وهو الأمر المخيف الذي يدعو إلى وقفة تأمل وإعمال عقل والجنوح إلى السلام. ويعتقد العديد من شرفاء الغرب أن التلويح بالحرب من قبل حلف الناتو ضد كل من روسيا والصين هدفه كسب المعركة النفسية لكن موسكو وبيجين لم تترددا في إعلان التحدي والمزيد من التسلح والتمكن من القوة المالية والإستراتيجية فالصين وحدها تمتلك أكبر مخزون من العملات القوية وأولاها الدولار كما أن الصين عززت برنامجها لغزو الفضاء إلى درجة أنه أصبح البرنامج الأقوى ويسبق في مبادراته البرامج الأمريكية والروسية والأوروبية!! فكيف نتصور مصير العالم من دون روسيا والصين؟ وهنا لا بد أن نعرج على مؤتمر دولي نظمه معهد (شيلر) الألماني الأمريكي في برلين يومي 25 و26 يونيه الماضي وجمع نخبة من الوزراء والبرلمانيين والأكاديميين من القارات الخمس اتفقوا فيه على عدة حقائق منها أن جذور العنف كامنة في قلب الفوضى العالمية المسماة كذبا بالنظام العالمي وهو موقف يعزز عبارة البابا الجريئة ومنها أن الوضع الدولي اليوم أخطر من وضع الحرب الباردة بسبب الأزمات المالية الغربية وغموض المواقف الغربية والروسية إزاء قضايا الشرق الأوسط وحالة التوتر في أوكرانيا وبين الكوريتين ودعا المؤتمرون إلى تفعيل طريق الحرير الجديدة ببناء الجسور الاقتصادية والثقافية وهدم الجدران بين الأمم وانتهوا إلى استنتاج موحد وهو أن لا أمل للإنسانية إلا بتغيير جذري في طبيعة العلاقات بين الدول من علاقات قوة إلى علاقات سلام ومن رفض للمختلف إلى تعايش بين الأديان والحضارات. نعم إنه يبدو كالحلم ولكنه حلم ممكن التحقيق بالإرادة المشتركة وتغيير (لوجيسيال) المستقبل من الأعماق.