15 سبتمبر 2025
تسجيلواحد من أهم أهداف العدوان الإسرائيلي على غزة تمثل -وما زال- في تكريس حالة التقسيم بين الضفة الغربية والقطاع وإجهاض المصالحة الوطنية التي تحققت عبر تشكيل حكومة التوافق الوطني الأخيرة بعد اتفاق كل من حركتي فتح وحماس في شهر يونيو الماضي على إنجازها بعد سنوات من حالة مراوحة المكان الممزوجة باحتقان سياسي ساد العلاقة بين الحركتين على مدى السنوات السبع المنصرمة منذ استيلاء حركة حماس على القطاع وتشكيلها حكومة خاصة بها لإدارة شؤونه. وبوسعي القول على وجه اليقين إن المقاومة الصلبة التي أبدتها الفصائل الفلسطينية بالقطاع في مواجهة آلة الحرب الصهيونية المدججة بأشد العتاد فتكا مع أشكال المقاومة السلمية التي شاركت فيها فتح وغيرها من الفصائل في الضفة الغربية، نجحت في إسقاط هدف حكومة بنيامين نيتنياهو الموغلة في التطرف والرامي إلى وأد التوافق ومن ثم بقاء حالة التنائي بين جزئي الأراضي المتبقية من فلسطين التاريخية مشتعلة. لقد بدا واضحا أن القيادة الفلسطينية ممثلة في الرئيس محمود عباس أبو مازن أدركت ما وراء العدوان، فسارع بعد بدئه بأيام إلى التعامل مع مع قطاع غزة بحسبانه جزءا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية وهو ما تجلى في حرصه على التوجه إلى الدوحة للقاء خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية – حماس – والذي وصف بأنه إيجابي، الأمر الذيشكل حائط صد في مواجهة محاولات المراهنة على تباين الموقف الفلسطيني.وعلى الرغم مما كان واضحا في مطلع الأحداث من تباين موقفي كل من القيادة الفلسطينية وقيادة حماس إزاء المبادرات السياسية المطروحة، خاصة المبادرة المصرية، فإنه كان ثمة توافق على المطالب الفلسطينية الضرورية التي يتعين أن تلبيها أي مبادرة للحل أو لوقف العدوان وهو ما تجلى في المقترحات التي أعلنتها القيادة الفلسطينية عقب جولة أبو مازن في كل من مصر وقطر والكويت والتي لم تخرج كثيرا عن مطالب فصائل المقاومة، بل تبنى اجتماع منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله -عقب عودة أبو مازن إليها من جولته العربية - هذه المطالب، خاصة فيما يتعلق برفع الحصار.ثم تجلت الخطوة الأهم في هذا السياق في قرار القيادة الفلسطينية مؤخرا تشكيل وفد موحد يضم ممثلين لكافة الفصائل، بما في ذلك حماس والجهاد واللتان أبدتا اعتراضا على المبادة المصرية للمشاركة في مفاوضات وقف إطلاق النار بالقاهرة وهو ما جسد وحدة الموقف الفلسطيني بكل تياراته، ليس على جوهر مبادرة القاهرة فحسب، وإنما إزاء التعاطي مع قضايا ما بعد العدوان على نحو يحول دون تكراره في المستقبل ويفتح أفقا سياسيا مغايرا للتعامل مع القضية الفلسطينية.وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو عقب تشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطينية الحالية وضع أبو مازن أمام خيارين لا ثالث لهما وهما إما السلام مع إسرائيل أو السلام مع حماس وفي ضوء الحسابات السياسية المعقدة في المنطقة وتوقعات ردود فعل حكومة هذا المتطرف المتحالف مع أحزاب المستوطنين والمتشددين اليهود كان بوسع القيادة الفلسطينية أن تتراجع عن المصالحة، ولكنها وفق الحسابات الوطنية والمبدئية، رفضت الاستجابة لضغوط نتنياهو وانحازت إلى خيار المصالحة، لأنه وحده هو الذي يحقق المصالح العليا للفلسطينيين، والتي تتجسد في الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، مع الإدراك بأنهم سيدفعون كلفة عالية، سواء من دمائهم وأرواحهم أو منشآتهم ومنازلهم وممتلكاتهم وبنيتهم التحتية ومزارعهم. وهو ما شاهدنا مظاهره في العدوان الشديد، والهمجية على قطاع غزة والقسوة المفرطة في مواجهة احتجاجات سكان الضفة الذين انتفضوا، ولو مؤقتا، على هذا العدوان.إن فلسطين التاريخية تعرضت لمؤامرة التقسيم وتحديدا في أعقاب حرب العام 1948 بعد صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيمها بين العرب واليهود، في قرار تجاوز كل حدود الشرعية الدولية وعكس توجها خطيرا في النظام الدولي الذي تشكل في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي انتهت في العام 1945 مؤداه الانحياز إلى اليهود من قبل الدول الكبرى المؤثرة في صياغة محددات هذا النظام. ومن اللافت أن كلا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كانا أول دولتين اعترفتا بكيان إسرائيل بعد إعلانه في الخامس عشر من مايو 1948، بل سارعتا مع أطراف دولية أخرى في تقديم العون السياسي والعسكري والاقتصادي، والذي ما زال مستمرا، خاصة في ضوء الدعاية الصهيونية الخاصة بمحرقة الهلوكست في ألمانيا النازية على أيدي أدولف هتلر إبان الحرب التي شنها على العالم آنذاك ولاشك أن فلسطين كانت من أوائل ضحايا اتفاقية سايكس بيكو بين كل القوتينالكبريين في مايو من العام 1916 وهما بريطانيا وفرنسا، فقد أدخلت ضمن منظومة النفوذ الإنجليزي، ثم خضعت لانتدابه بقرار من عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى ولكن التطور الأخطر الذي تسبب في كل التداعيات التي يعاني منها الفلسطينيون حتى هذه اللحظة تمثل في وعد بلفور في السابع عشر من فبراير من العام 1917 والذي تضمن وعدا من الحكومة البريطانية – التي لا تملك الحق- بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين – الذين لا يستحقون - بعد تعثر أو فشل محاولات أخرى للمنظمة الصهيونية العالمية في مناطق أخرى من العالم. وثمة حقيقة يتعين أن يتوقف لديها من يتعاملون مع العدوان الصهيوني على غزة باستخفاف ويدخلونه ضمن دائرة الاستقطاب السياسي والأيدلوجي إلى حد إعلان التشفي في حركة المقاومة الإسلامية - حماس – وغيرها من فصائل المقاومة مؤداها أن إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين استهدفت أول ما استهدفت - وما زالت - الفصل بين مصر ومشرقها العربي، ثم مقاربة الحدود المصرية، بل وتجاوزها مثلما حدث في عدواني 1956 و1967 عندما اخترقت قوات هذا الكيان أراضي سيناء أي.المسألة بوضوح مرتبطة بمحددات الأمن القومي المصري، واللافت أن هذا الكيان، رغم اتفاقية السلام الموقعة في العام 1979، ما زال ينظر إلى مصر بحسبانها الخطر الرئيسي، إن لم يكن الأوحد، وما زالت عقيدة جيشه القتالية ترتكز على هذا المفهوم. وبالتالي فإنه من الضرورة بمكان إدراك هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق الواضحة وغير الملتبسة في الصراع العربي الصهيوني، حتى يمكن تحديد اتجاه البوصلة وينأى البعض الذين ظهروا في المشهد الإعلامي مؤخرا من السقوط في مستنقع الارتماء في خانة العدو، سواء بقصد أو دون قصد.