16 سبتمبر 2025
تسجيلنستكمل الحديث عن آفات المال التي تجعل منه فتنة يُختبر بها الإنسان، وقد قدمنا أولى تلك الآفات، وقلنا إننا جعلناها أربع آفات وغوائل، أما الثانية فهي: عدم تأدية ما فرض الله في المال من زكاة، وتضييع الركن الثالث من أركان الإسلام، وفي هذا مصيبة على المسلم من المصائب الجسام، وبلية من البلايا العظام، قال عليه الصلاة والسلام، في الحديث الحسن الصحيح: (مانع الزكاة يوم القيامة في النار)، وفي حديثٍ آخر (يجعل له مالُه صفائحُ يكوى بها)، وجاء في صحيح البخاري: (من آتاه الله مالاً، فلم يؤدِّ زكاته، مُثِّلَ له يوم القيامة شُجاعاً أقْرَع، له زَبيبتان- قرنان- يُطَوَّقُهُ يوم القيامة، ثم يأخُذ بلِهْزِمَتيْهِ، يعني بشدقَيْه، ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك)، ثم تلا: (ولا يحسبنَّ الذين يبخلون...) الآية، وشجاعٌ: الحية الذكر، وأقرع: شديد السم، وتمام الآية: (ولا يحسَبَنَّ الذين يبخلونَ بما آتاهمُ اللهُ من فضلِه هو خيراً لهم بل هو شرٌ لهم سيطَوَّقون ما بخِلوا به يوم القيامة وللهِ ميراثُ السمواتِ والأرضِ والله بما تعملون خبير).وفي هذا الشأن يقول أمير الشعراء، أحمد شوقي رحمه الله :عجِبتُ لمعْشرٍ صلَّوا وصاموا عواهرَ، خَشْيةً وتُقىً كِذاباوتُلفيهم حِيالَ المالِ صُمَّاً إذا داعي الزكاةِ بهم أهاباالآفة الثالثة: الربا والدَّين في المعاملات المالية، أعاذنا الله منهما، وأبعد عنّا شرهما، الربا الذي هو من أكبر الكبائر، وعلى آكله التهديد والوعيد الشديدان بالحرب من الله، الملعون على لسان رسول الله، آكله وموكله، أي آخذه ومعطيه، وتشمل اللعنة كاتبه وشاهِدَيه، هم فيه سواءٌ؛ لأنهم في الجُرْم شركاء، والله جل وعلا يقول: (وتعاونوا على البِر والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعُدوان).أما الدَّين، الذي كان يستعيذ الرسول من غَلَبَته، وفي رواية من ضَلَعِه أي ثِقله، صباحَ مساءَ، أو كان يسميه المَغْرم، من الغُرْم وهو الدَّين، فيقول:(اللهم إني أعوذ بك من المأثمِ والمَغْرَم)، وورد أن رجلاً قال له: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم! قال: (إنّ الرجلَ إذا غَرِمَ حدَّث فكَذَب ووعَد فأخْلَف).إنّ أمر الدَّين لجدّ خطير، فالشهيد ذو المنزلة الرفيعة عند ربه، (يُغفر له كلُ ذنبٍ إلا الدين) كما في الحديث الصحيح، وكان النبي عليه الصلاة والسلام، لا يصلي على من عليه دين، ولم يترك شيئاً يُؤدَّى دينه منه، ففي صحيح البخاري: (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم، أُتِيَ بجنازة ليُصليَ عليها، فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا، فصلّى عليه، ثم أُتِيَ بجنازة أخرى، فقال: هل عليه دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قَتادةَ: عليَّ دَيْنُه يا رسول الله، فصلّى عليه).فالله يغفر ما كان بينه وبين عبده، أما ما كان بين العباد بعضهم بعضاً، لا يسقط إلا بالأداء أو المسامحة، ويستفاد من كل ما سبق، كما قال العلماء، أن الدَّين لا يؤخذ إلا للضرورة المُلِحة والحاجة الماسّة، مع عزم نية الوفاء، وجاء في صحيح البخاري، قوله عليه الصلاة والسلام: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله).