03 نوفمبر 2025

تسجيل

الرياح الهبوب

11 يوليو 2014

تهب علينا أحياناً رياح لطيفة تثير من حولنا مشاعر الارتياح والبهجة، وتنعش نفوسنا المتعبة بنسماتها العذبة التي تداعب الوجنات وتدغدغ العواطف، بينما تعصف بنا أحياناً أخرى، رياح تجتاح أنفاسنا بما تحمل من غبار وأتربة وتستفز أعصابنا وتوتّر حواسنا كلها.والرياح البوارح التي تغزونا هذه الأيام ويتذمر من هبوبها الغادون والرائحون، ويعزى لها السبب للكثير من الأمراض والحوادث، إنما تحمل معها بوادر خير عظيم إذ يسيل مع هبّاتها الساخنة دبس التمر الذي نضج فوق هامات النخيل وتحول بفضلها الخلال (البسر) الأخضر الذي لا تأكله حتى الطيور إلى رطب جنياً يزين موائدنا الرمضانية.فالرياح طالما كانت للإنسان منذ أن وجد على وجه البسيطة رفيقة وعدوة في نفس الوقت، فبفضل الرياح اقتحم أجدادنا لجة البحر بسفن خشبية تدفع أشرعتها وتحركها وتغير اتجاهاتها، وبفضلها عرفوا وقت العودة والقفول، وذلك عندما تبدأ بالهبوب رياح السابعة التي تحمل البرودة لمياه البحر، وبفضل الرياح أدرك المزارعون قبل أن يعرفوا التقاويم والشهور موعد ذر البذور وموعدالحصاد. كما تحمل الرياح بشائر الحياة عندما تكون لواقحاً تخبئ بين جنباتها المطر الذي يحيي الأرض بعد موتها ويعيد الحياة للبشر والشجر والدواب.لكن للرياح وجهها الآخر الذي تبدو البوارح ورياح الكوس واللاهوب والطوز والخماسين وغيرها من رياح حارة متربة نسمات بريئة وعذبة، فالدالوب مثلاً وهو عاصفة هوجاء كانت تعصف بين فترات متباعدة بدول الخليج، وإحداها العاصفة الشديدة التي أغرقت المئات من سفن الغوص التي كانت تستعد للقفال أي للعودة للديار وأهلكت الآلاف من البحارة واقتلعت بساتين النخيل وهدمت البيوت، حتى سميت تلك السنة التي تقع في منتصف عشرينيات القرن الماضي بسنة الطبعة، وأرّخ أهل الخليج الأحداث التي حدثت في تلك السنة أو بعدها بها.والعرب بما يملكون من شاعرية وجزالة في الوصف وسعة في الخيال أطنبوا في وصف الرياح وميزوا بين أنواعها وأصنافها وعدوا الرياح سبعاً: الصبا، والدبور، والجنوب، والشمال، والنكباء، والخروق، والرياح القائم؛ فأما الصبا: فتجىء من المشرق، وأما الدبور: فتجىء من المغرب، وأما الجنوب: فتجىء عن يسار القبلة، وأما الشمال: فتجىء عن يمين القبلة، وأما النكباء: فبين الصبا والجنوب، وأما الخروق: فبين الشمال والدبور، وأما ريح القائم: فأنفاس الخلق، كما يقال.ورياح الصبا عند العرب هي الرياح المحببة والمفضلة لديهم حتى قالوا عنها بأنها تجلو الهم وتزيل الغم، بل حمّلها الشعراء أشواقهم ومشاعرهم لمن يهوون ويعشقون.فها هو ابن سهل الأندلسي يقول:تهدي الصبا منها أريجا مثلما يهدي المحب إلى الحبيب سلامافكأنها نفس الحبيب تضوعا وكأن نفس المحب سقاما