11 سبتمبر 2025

تسجيل

الثورة متوهجة

11 يوليو 2011

الثورة ما زالت متوهجة ولا يمكن احتواؤها أو الدفع بها نحو مسارات معاكسة كان من الضرورة بمكان التحرك باتجاه ميدان التحرير وغيره من ميادين محافظات المحروسة يوم الجمعة الماضي لتوجيه عدة رسائل لكل من يهمه الأمر. أولا: إن الثورة التي انبثقت في الخامس والعشرين من يناير المنصرم ما زالت متوهجة وليس ثمة إمكانية لإجهاضها أو احتوائها أو الدفع بها نحو مسارات تعاكس اتجاهها الصحيح الذي رسمه الثوار على مدى ثمانية عشر يوما من المكابدة والمجاهدة حتى تمكنوا من إسقاط رأس النظام ورموزه واحدا بعد الآخر في متوالية مدهشة. ثانيا: إن الثورة ما زالت رقما مهما في المعادلة السياسية لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه بحيث يمكن للعناصر المناهضة لها من محوها من خارطة الوطن وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء أي إلى ما قبل الحادي عشر من فبراير. ثالثا: لا مجال على الإطلاق للانقسام بين الفصائل والقوى التي قامت الثورة على أكتافها حتى وإن تباينت منطلقاتها الفكرية والثقافية والذين راهنوا على هذا الانقسام الذي كادت نذره تعصف بالثورة وبالثوار بوسعهم الآن بعد الثامن من يوليو أن يناموا قريري العيون فقد ذهبت رياحه – أي الانقسام – إلى غير رجعة. رابعا: لم يعد بمقدور القوى التي امتطت صهوة الثورة أن تقدم نفسها بحسبانها الموجهة الأوحد للأحداث أو التطورات وهو ما يستدعي منها أن تتعامل بمنطق الشريك بعيدا عن الهيمنة التي دفعت بعض الاتجاهات إلى التوجس من هذه القوى التي أظهرت في بعض خطابها نوعا من الاستعلاء على الواقع طرح مفاهيم تتناقض مع السياق الذي يحظى بالقبول أو الرضا العام. خامسا: بات من الملح أن تتعدل السياسات التي انتهجتها النخبة الحاكمة الجديدة منذ أن تولت مقادير أمور الوطن بعد الحادي عشر من فبراير والتي أخذت منحى يخاصم في بعض مساراته ما سعت الثورة إلى تكريسه ولعل في صدارة ذلك الجوانب الاقتصادية وما يتعلق تحديدا بمبدأ العدالة الاجتماعية فالملاحظ أن جملة ما طبق من سياسات حكومية لم يتماس مع قواعد هذه العدالة التي ظلت وما زالت مرتكزا أٍساسيا في توجهات ثوار يناير بمختلف فئاتهم ولعل الموازنة العامة التي تم اعتمادها للعام المالي الجديد 2011 – 2012 وفق رؤية الكثير من الخبراء لا تعدو كونها مجرد إعادة إنتاج لموازنات وزير المالية السابق الهارب يوسف بطرس غالي وكذلك فيما يتعلق بالحد الأدنى من الأجور والذي جعلته الموازنة حوالي 700 جنيه مصري أي ما يزيد على مائة دولار بقليل بينما المطلوب حسب الخبراء أيضاً أن يكون 1200 جنيه مصري أي ما يزيد قليلا عن مائتي دولار وفي الآن ذاته فإن مؤشر البطالة لم ينخفض عما كان سائدا قبل الخامس والعشرين من يناير وهو ما يستوجب وضع آليات فعالة للخروج من مأزق البطالة الذي يؤرق الشباب خاصة الخريجين الجدد. سادسا: الإسراع بوتيرة المحاكمات التي تجرى لرموز النظام السابق وفي مقدمتهم رأسه حسني مبارك والذي يبدو أن وقائع الأشهر الستة المنصرمة منذ قيام الثورة قد أوحت أن ثمة محاولة للتعتيم على هذه المحاكمات أو إجرائها وفق قواعد وآليات تنتهي إلى إصدار أحكام بالبراءة مثلما حدث مؤخرا لنفر من الوزراء السابقين فضلا عن إخلاء سبيل الضباط المتهمين بالقتل والاعتداء على المتظاهرين في محافظة السويس خلال الثورة وهو ما أدى إلى حالة من الاحتقان والتصادم بين أهالي الشهداء والمصابين مع قوات الأمن. وثمة إشكالية تتجلى فيما يتصل بهذه المسألة فأي تدخل سواء من قبل المجلس العسكري أو مجلس الوزراء في السلطة القضائية لن يكون مقبولا لا سياسيا أو مهنيا فضلا عن توجيه رسالة خاطئة للخارج الذي يراقب كل تطورات الحالة المصرية وفي الآن ذاته فإن ما يبدو أنه بطء في إجراءات التقاضي مما يؤخر الفصل في الاتهامات الموجهة لرموز النظام السابق ينطوي على تجاهل لحالة الغليان الشعبي وهو ما أسهم في تنظيم جمعة الثورة أولا وإعلان الاعتصام في ميدان التحرير ومدن أخرى من قبل بعض ائتلافات الثوار وذلك يؤشر بوضوح إلى إبقاء جذوة الشارع في حالة اشتعال أو بالأحرى اشتباك ومن ثم فإن المطلوب هو الإسراع في الإجراءات وفق المحددات القانونية والدستورية التي تنحاز للعدالة على نحو واضح وشفاف. سابعا: حان وقت التغيير في هيكلية النخبة الحاكمة الجديدة خاصة على صعيد الحكومة في ظل ما يبدو من عدم وضوح في رؤيتها وما يتردد عن عجزها عن الحزم فضلا عن العدل وهي المعادلة المطلوبة في الحكم وأظن أن حكومة الدكتور عصام شرف استنفدت رصيدها بعد أن فقدت الإسناد الشعبي الذي ظلت تعتمد عليه منذ تشكيلها والمجيء برئيسها من ميدان التحرير واللافت أن كثيرين راهنوا على أن شرف سيشارك في مظاهرات الجمعة الفائتة ليقدم كشف حساب فترة الأشهر الستة الماضية بل إن ثمة من توقع أن يقدم استقالته وهو ما لم يحدث بالطبع. والأهم من ذلك فإن هناك حوالي 17 وزيرا في حكومة شرف كانوا أعضاء في لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم سابقا والتي كان يرأسها جمال مبارك وذلك يلقي بظلال من الشك على مجمل سياسات الحكومة التي لم يتباين أداؤها كثيرا عن أداء حكومة نظيف في ظل استمرار نفس الآليات والقواعد التي كانت تطبقها، ولعل وزارة الداخلية هي الأكثر استحواذا على الغضب من قبل الثوار وبالذات بعد وقائع يومي 28 و29 يونيو الماضي في ميدان التحرير فرغم كل الملابسات التي أحاطت بهذه الوقائع فإنها أظهرت أن سياسات وزارة الداخلية لم تتغير في العمق وهو ما يرجعه الثوار إلى بقاء قيادات تدين بالولاء لوزير الداخلية السابق حبيب العادلي وللنظام السابق على رأس المواقع المفصلية بها تخطيطا وتدبيرا وتنفيذا وهو ما جعل المتظاهرين في ميدان التحرير وغيره من الميادين يطالبون بقوة بتطهير وزارة الداخلية ووصل الأمر إلى المطالبة بإقالة وزيرها الحالي منصور عيسوي. تاسعا: لم يعد ثمة طريق آخر تنتهجه مصر سوى طريق الديمقراطية بمفهومها الصحيح الذي يعلي من شأن التعددية الحقيقية ويرفع من صوت الحرية لكل الشعب من دون إقصاء أو استئصال مثلما كان يحدث خلال الثلاثين عاما التي هيمن فيها نظام مبارك على مقدرات المحروسة ولكن ذلك يتطلب التوافق على القواعد الحاكمة لتطبيق هذه الديمقراطية وفي مقدمتها النصوص فوق الدستورية وذلك لإنهاء الجدل الذي ساد خلال الأشهر الفائتة حول الدستور أولا أو الانتخابات أولا وأظن أن يوم الجمعة الماضي حسم هذا الجدل لصالح الثورة أولا ولاشك أن هذا التوافق يتطلب يقظة من مختلف القوى السياسية المنتمية للثورة بحيث لا تسمح للخلافات أن تقفز على المشروع الوطني المصري الذي تبلور في الخامس والعشرين من يناير لأن من شأن ذلك أن يدخل الجميع إلى منطقة الخطر ويتيح الفرصة للقوى المناهضة للثورة للعودة مجددا إلى المشهد السياسي وهي كما نعلم تتأهب لمثل هذه الخطوة مستغلة ما يبدو أنه غياب للأمن وللقانون. السطر الأخير: امتطيت صهوة عشقك سافرت إلى تضاريسك ارتميت على حدودك عثرت فيك على فاتحة كتابي وقدس الأقداس ينبع من عينيك فاحتويني في مسافاتك بثي أنهارك في قلبي المسكون بالمكابدة أيتها الياقوتة والزبرجدة ثقي أيتها المسافرة أني مفعم بالعودة إلى حدائق الشعر فيك إلى البحر يغازل نوارسه والنرجس يصوغ ملامحه من وجهك الزاخر بالنور يمزجني أنا المتعب برحيق السوسن فيطل على بهاء وسحر وعشق وحبور [email protected]